اكتب اليوم عن تجربة عشتها وزملائي في السابق في شبكة راديو وتلفزيون العرب؛ في اخر سنتين من عمر هذه الشبكة انتشرت الشائعات حول تسريح الموظفين تارة وتخفيض الرواتب والامتيازات تارةً اخرى، خلال هذه السنوات الصعبة والاجواء المقيتة، فقد الموظف الامان الوظيفي، وفقدت المنظمة نتيجة لذلك الولاء والانتماء من الموظف.
كثر الهرج واتسعت دائرة الانتقادات، فبعد ان كان الانتقاد محصوراً بين الادارة والموظف وبالعكس، امتد ليصبح كذلك بين الادارات والقيادات عينها، وبين الموظفين بعضهم ببعض، فلم يسلم الفني من انتقاد الاداري، وكذلك المسوق من المعد، وهاجم المسوق بدوره المحتوى حتى اختلط الحابل بالنابل، وادلى كلُ بدلوه دون علم.
عندما أطلقت رصاصة الرحمة وتم بيع الحقوق لقنوات الجزيرة الرياضية، استمر نفس الفريق بتغطية المباريات -كجزء من اتفاق البيع-، وبنفس الاجهزة والمعدات، وبنفس الشروط والواجبات، ولم يتم ادخال أي تعديل او تحسين على طريقة الانتاج والبث والاخراج، الا انني تفاجأت برد فعل الشارع والجمهور، عندما تغنى الجميع بالتغطية الجديدة المميزة، وطريقة الاخراج الافضل، والصورة الاوضح والانقى.
بحثت عن سبب ذلك طويلاً، واتضح لي بعد جهد بأنه قد تكوَّن لدى الجمهور فكرة سلبية عن المنظمة نتيجة للأخبار والمعلومات السلبية التي تناقلها الموظفون على مدى عامين، فعدد الموظفين الكبير، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وحصرية البث الفضائي، والفترة الطويلة من الاشاعات، واهمية الرياضة لدى الجمهور، وغياب التصريحات الواضحة والشفافة من المسؤولين، كلها عوامل ساعدت على نشر السلبية من داخل المنظمة لتصل الى الجمهور.
استذكرت هذه التجربة السابقة وانا ارى ما يحدث اليوم من سلبية وانقسام في الشارع، ومن حالة الاحباط الشديد التي وصل اليها المواطن الاردني، ومن الممكن اسقاط تلك الذكرى على واقعنا الحالي، فعدم الانسجام الحكومي بين الوزراء، الاداء النيابي المخيب للآمال، كيل الاتهامات بين المسؤولين، وكذلك بين المواطن والمسؤول، وغياب الشفافية بالتصريحات وتعدد مصادرها، كلها عوامل اوصلتنا الى ما نحن فيه الان من الخوف الاقتصادي، وانعدام الثقة بين المواطن والمسؤول.
النظرة "التشاؤمية" للمواطنين من المستقبل باتت واضحة للعيان، ووصولها الى المستثمر الخارجي يزيد الطين بلة، فاقتصادنا المنهك، والظروف الاقتصادية العالمية الصعبة، وايضا الظروف السياسية المحيطة بالمملكة، تضعنا امام تحدٍ جديد وقاسٍ، ولمواجهته يجب على الحكومة أن تعمل بانسجام تام فيما بينها، كما على الاداء النيابي الارتقاء لحجم المسؤولية و نبذ الخلافات الشخصية، ايضا يجب ان تقف الاتهامات بين المسؤولين وينصب تركيزهم على العمل ولا شيء سواه، كما على الحكومة توفير المعلومات للمواطنين من مصدر واحد وبقدر عالٍ من الشفافية، لكي تستعيد ثقة المواطن وتعينه على مزيد من الصبر، وعندها سنقف جميعاً: قيادةً وحكومةً وشعباً معاً في خندق الوحدة الوطنية، لمواجهة كل الظروف مهما كبرت وصعبت، ونحن عازمون على النجاح كما نجحنا في مواجهة الارهاب.