الحوار النيابي ما بين المضمون الجيد والشعبوية والاستعراض والتقليد (تقرير)
22-01-2017 01:56 PM
عمون - حنين الزيناتي – شهد البرلمان الأردني على مدار السنوات الماضية محطات كثيرة وجهت الشارع الأردني ليكون بمثابة المراقب الدائم لهذا البرلمان، بل وجعلته ناقدا لاذعا لأدائه ومؤيدا لما يتناوله البعض من أعضاء مجلس النواب من قضايا وآراء، ومعارضا لآخرين من أعضائه على أطروحاتهم وما يتناولونه من قضايا تحت قبة البرلمان .
مؤخرا شهد مجلس النواب الثامن عشر أثناء مناقشات الموازنة العامة وقبلها مواقف وآراء واطروحات نيابية وصف بعضها بالساخن والبعض الآخر وصف بالغريب اللافت، الأمر الذي جعل الشارع الأردني يتساءل عن مدى تطور ومقياس الحوار النيابي الأردني.
الكاتب الصحفي فهد الخيطان وصف البرلمان الأردني بالموزاييك العريض لما فيه من اتجاهات وآراء وأفكار مختلفة.
وقال الخيطان في رده على سؤال عمون حول الحوار البرلماني ومدى تطوره " إن العديد من مداخلات النواب كان فيها مضمون جيد، ومفيد وشهدنا طرح بدائل اقتصادية، والكلمات التي استخدمها النواب في مداخلاتهم كانت ذات طبيعة شعوبية.
وأكد أن ما شهده البرلمان من محطات الحوار الصاخب والساخن تحت القبة والذي وصل إلى حد الصراخ والانسحاب والمشاجرات، يحدث في جميع برلمانات العالم.
من جهة أخرى يجد الكاتب الصحفي فايز الفايز أن الجلسات النيابية العلنية أو الاجتماعات أصبحت عند عدد كبير من النواب مناسبة لاستعراض القوى الكلامية.
وقال الفايز لـ عمون " للأسف هناك عدد كبير من النواب يعتقدون أن الجلسات العلنية أو الاجتماعات هي مناسبة لاستعراض القوى الكلامية، وهذا شهدناه في المجلس السابق أيضا، حيث لا يقيم الأغلبية وزنا لاحترام الرأي والرأي الآخر، والأهم يتركون الحديث في القضايا الحقيقية التي تمس صلب معاناة المواطن ويتمسكون بجدال عقيم حول قضايا فرعية، ما ينعكس سلبا على تقييم أداء النواب وسمعة المجلس ومستوى أخلاقيات الحوار مقارنة مع وزن مؤسسة مجلس النواب الحقيقي."
ويجد الفايز أن السبب في هذا الحوار الاستعراضي هو الجهل او عدم دراية كافية لعدد من النواب لأدبيات الخطاب السياسي والبرلماني، وعدم التخصص والخبرة الكافية.
وأضاف نجد نقاشات جلسة الموازنة وقبلها الجلسة الخاصة مع اللجنة المالية بحضور الوزير المعني كانت أقرب الى "تعليلة" لمناقشة توزيع حصص ثمن سيارة في حراج السيارات، دون أي خبرة في القضايا المالية والموازنات ، وكذلك في مناقشة السياسات العامة للحكومة وإجراءاتها ومنح الثقة وطرح الثقة عن وزير الداخلية السابق، ولهذا من السهل اكتشاف ضحالة التفكير عند بعض النواب الجدد، وعدم تفريقهم ما بين مجلس النواب وجدالات كانوا ينخرطون فيها في حياتهم العامة سابقا ."
ولفت الفايز الى ضرورة إخضاع النواب من خلال النظام الداخلي لدورات تدريبية في وسائل التواصل الفكري ولغة الخطاب والتعليمات السياسية وترتيب الأفكار لغاية الذهاب مباشرة الى صلب الموضوع او قلب القضية ، وكذلك منع الاشتباك بين الأعضاء بسبب تناقض او تنافر الآراء او المذاهب السياسية او الغايات والرغبات.
وأضاف " مجلس النواب للأسف بات صورة باهتة وسلبية وهذا بسبب عدم حرص بعض النواب على إظهار الاحترام لبعضهم ولمكانة المجلس وعدم اكتراثهم برأي المواطن بما يقولونه ويفعلونه ، ولهذا نرى ان تقييم الحوار في مجلس النواب هو سيئ."
الخبير في الشؤون البرلمانية وليد حسني تطرق بشكل خاص الى الحوار النيابي في مناقشة الموازنة ويجد ان مناقشة الموازنة للعام 2017 لم تختلف عن السنوات السابقة.
وأكد حسني لعمون أن مناقشات النواب وتناولهم لمفاصل الموازنة بدت تقليدية جدا، لافتا إلى أن مناقشات البعض من النواب كانت فرصة لتقديم نفسه بطريقة دعائية لجمهوره ولقاعدته الانتخابية وذهب بعيدا في تقديم مطالب دوائره الانتخابية في الوقت الذي ذهبت الغالبية النيابية للحديث في ارقام الموازنة التي قدمتها الحكومة دون تحليلها بشكل علمي ودقيق.
وبين حسني ان مصطلح توجيه الموازنة بالنتائج لم يكن مفهوما لبعض النواب الذين تحدثوا عنها.
واضاف حسني "كانت المناقشات عبارة عن خطاب شعبوي دون ان تكون لديهم القدرة التصويتية للتأثير ايجابا على مسار الموازنة، وصوت النواب على الايرادات في الموازنة بالرغم من ان العجز 450 مليون دينار ما أثار ضجة كبيرة لدى الأردنيين، ووافق النواب عليه دون ان يتبينوا ان كانوا يصادقون عليه او على شيء اخر."
ويرى حسني ان التقليد في المناقشات يؤثر سلبا على النتائج وقال "إن النواب قضوا خمسة ايام شتما ونقدا في الموازنة لكنها خرجت من تحت القبة بمباركة نيابية، لتفوز الحكومة وموازنتها في اول مواجهة لها، لان الثقة بالحكومة بهذا الحجم من المواجهة خطرة وكبيرة.
وزاد " خسر النواب شعبيا وفشلوا جماهيريا ودعائيا وبقيت السلطة الاضعف بين السلطات الثلاث بخلاف الدستور الذي يجب ان تكون السلطة التشريعية هي السلطة الاقوى."
ويرى حسني ان الاداء النيابي بدا ضعيفا حتى على مستوى الكتل النيابية بالرغم من تقديم بعضها حلولا لمعالجة مرض الموازنة .
وأكد أن الكتل النيابية لم تشكل قوى ضاغطة على الحكومة لتغير موقفها حتى بالمطالب الاساسية للنواب والمواطنين مثل " الإعفاءات الطبية".
وأضاف " كشفت المناقشات والنتائج ضعفا كبيرا في الكتل النيابية وعدم توافق أعضاء الكتل على موقف معين هو ذات الخارطة التي تتصف بها باقي المجالس السابقة."
وأكد حسني أن الحكومة لم تقدم شيئا بل اخذت من النواب الضوء الاخضر دون أن تطلبه فرض الضريبة على الاجهزة الخلوية ما يعني وجود وارد جديد بنحو 12 مليون مشترك بحسب الاحصاءات الاخيرة.
وتابع "بحسبة بسيطة اصبح لدينا 144 مليون دينار تضاف للحكومة لسد العجز وهذا مقلب كبير وسلبي للنواب ولم يتم الاعتراض عليه."
وأكد حسني أن أسلوب المناقشة تقليدي منذ 60 عام، والنواب يستخدموا نفس الاسلوب والطريقة في المناقشات حتى في الكتل النيابية إذ لم تستطع الكتل تطوير ادائها، وهي صورة من الحوار السائد غير المنظم والملتزم الذي قضى نفسه.
ويرى حسني أن مناقشة الموازنة أظهرت غياب الخبرة النيابية خاصة على النواب الجدد الذين شكلوا ثلثي المجلس.
واشار حسني الى تخبط كبير حدث أثناء التصويت على الموازنة بالإضافة إلى تخبط أكبر في طريقة التصويت موكدا ان لا احدا يقبل ان يتم اقرار موازنة دولة على خطورتها دون معلومات يصدرها رئيس المجلس بعدد اصوات من صادق او رفض .
وزاد " التصويت كان اشبه بالفوضى وهذا ما اشار اليه بعض النواب إذ من حق المواطن والناخب معرفة كل نائب واتجاه تصويته وطبعا هذه سلبية من رئاسة المجلس ويجب ان يكون هنالك ارقام واضحة للتصويت حتى تتم مراقبة النواب والمطالبة بإعادة الهيبة للمجلس وهذه لا تتم الا من خلال الرقابة الشعبية التي تعمل على تحسين الاداء النيابي، لكن للأسف لا توجد رقابة شعبية "طاسة وضايعة" وما حد بسأل بحدا عندما لا تشعر بانك مراقب انت حر طليق ستعمل على ما تريده انت وليس ما يريده الاخر."
ولفت حسني إلى عدم تجمع الكتل خارج القبة للتباحث في الموازنة مؤكدا أن هذا الأمر كان غائبا عن المجلس الحالي وعن المجالس السابقة.
وزاد " حتى رئيس الوزراء والحكومة في المناقشة لم يجري حوارات ممنهجة مع الكتل بخلاف الحكومات السابقة، و لم نر ذلك بين الحكومة والكتل بجانب المستقلين وهذا ساعد على تغييب الحوار بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حتى الخطابات الفردية بقيت محكومة برغبات ومطالب النائب الشخصية.
وأكد الخبير في الشؤون البرلمانية ان حوار الموازنة بقي تقليديا وكلاسيكيا غير ابداعي ما ادى الى فوز الحكومة والموازنة على مجلس النواب.