عمون ـ أمل الأطرش - “داخله ع مالك وعيالك.. إنت العريس رقم 12 ”..!!
لو لم يطلب العريس “الخلوة الشرعية” لرؤية مها، لكان هو الزوج الثاني عشر مقابل 7 آلاف دينار.
لم تكمل مها عامها الثامن عشر، ومع ذلك أجبرها والدها على الزواج من 11 رجلاً، بعضهم قضى معها أيام وآخرون قضوا اسابيع.
فيما تم تزويج ريم (15 عاماً) لمواطن سعودي مقابل 5 آلاف دينار، وزوجت عزة (15 عاماً) لمواطن عراقي مقابل 10 آلاف دينار، وبعد شهر طُلقت الطفلتين.
يوصف المحامي د. فراس يعقوب “الزيجات” أعلاه بأنها إتجار بالبشر عن طريق الزواج، وفقاً لقانون منع الإتجار بالبشر للعام 2009، والتي تعرف مادته (3) الإتجار بالبشر أنه “استقطاب اشخاص أو نقلهم أو ايوائهم أو استقبالهم بغرض استغلالهم عن طريق الإحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة ضعف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على هؤلاء الاشخاص”، حتى “ولو لم يقترن هذا الاستغلال بالتهديد بالقوة أو استعمالها”.. ويشكل “الاستغلال الجنسي” أحد صوره. ويقول د. يعقوب بأن كل الشروط أعلاه تتوفر بزواج القاصرات السوريات، حيث يوجد الأب أو ولي الأمر الفقير أو الجشع الذي يبيع الطفلة (الضحية) عن طريق الزواج مقابل مال يدفعه العريس (الجاني) للاستماع بهذه الطفلة، مؤكداً أن اغلبية هذه الزيجات هدفها فقط “المتعة” وفقاً لتعبيره، وليس الزواج بمفهومه المتعارف عليه، وأنها تشهد تزايداً.
وتزيد ممثلة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأردن كارين وايتنغ أن “الزواج المبكر” بسبب النزاع المسلح “أكثر شيوعا وأكثر خطورة”، مضيفة أن أسباب ازدياد الزواج بين القاصرات خلال النزاعات يأتي “نتيجة للقلق على سلامة الفتيات، والفقر ومحاولة توفير حياة أفضل للفتاة وعائلتها”.
اغتيال للطفولة
فيما تشير دكتورة علم الاجتماع سهام شديفات إلى أن هذه الزيجات وفقاً للقوانين السورية مسموح بها وتحبذها التقاليد والأعراف الاجتماعية على اعتبار أنها “سترة” للفتاة. وأنها تزداد في حالة “اللجوء” بسبب الأوضاع البائسة لللاجئين، حيث تشكل البنات عبئاً على الأهل، وهنا يُفضل تزويجهن للتخلص من هذا العبء الذي يثقل كاهلهم اجتماعياً واقتصادياً. وتستدرك د. شديفات بأن زواج القاصرات يشكل اغتيالاً لطفولة الضحايا واعتداءً صارخاً على مستقبلهن، معربة عن تخوفها من ان تتكرر “المتاجرة” بالضحايا من خلال إعادة تزويجهن بجناة آخرين، أو أن يتجهن للعمل في “الدعارة”، خاصة وأن غالبية الضحايا صغيرات السن وتعليمهن متدن، ولا يملكن ما يساعدهن على العمل وإعالة أنفسهن.
وتروي د. شديفات قصة لاجئ سوري، استغل ابنته البالغة من العمر (16 عاماً) لكسب المال، حيث وعد 4 اشخاص بتزويجهم إياها مقابل مبالغ مالية قبضها على وعد الزواج في الأسبوع التالي، وتوزع العرسان ما بين عمان والمفرق، وقد تم توقيفه لدى الحاكم الإداري.
وتظهر احصاءات دائرة قاضي القضاة، ارتفاعاً بنسب زواج القاصرات السوريات (15 ـ 18عاماً)، حيث بلغت 18% في 2012، و25% في 2013، و32% في 2014، فيما بلغت 35% في عام 2015، بواقع 170 حالة زواج شهرياً، وكشفت الدائرة عن حالات لفتيات دون سن 15 عاما، يزوجن بعقود غير موثقة، في مخالفة لقانون الأحوال الشخصية الأردني. وحذرت الدائرة من الآثار الكارثية لعدم التوثيق على الفتاة وحقوقها والأطفال المتولدين من هذه الزيجات، خاصة لجهة النسب والهوية والجنسية والرعاية.
قصور بحماية الأطفال
وتلفت جمعية معهد تضامن النساء الأردني الى تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول الإتجار بالبشر لعام 2015، حيث اعتبرت لجنة حقوق الطفل الأُممية، التابعة لمجلس حقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة، أن الدستور الأردني “يفتقر لنصوص مخصصة لحقوق الطفل، فضلا عن وجود قوانين غير متوافقة مع الحماية الدولية للطفل”. وأن “أوجه القصور المتعلقة بحماية حقوق الأطفال في الأردن يتعلق بالبنية التشريعية، إذ أن هناك ممارسات كثيرة تتصل بذلك تشكل انتهاكا ومساسا بحقوق الطفل”.
المحامية رحاب القدومي، مقررة اللجنة القانونية في اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، عند الاشتغال على قانون الطفل في العام 2000، تؤكد أن مسودة قانون الطفل لا تزال حبيسة الأدراج منذ 15 عاماً، بالرغم من أن الأردن صادق على اتفاقية حقوق الطفل في العام 1991، وعمل على تغيير وتعديل عدة قوانين لكي تتوافق مع اتفاقية حقوق الطفل، منها قانون الأحوال الشخصية والذي رفع سن الزواج إلى 18 لكلا الجنسين، بعدما كان 15 عاماً للأنثى و16 عاماً للذكر، وتنص الفقرة (أ) من المادة 10 من قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم 36 لعام 2010 على أنه “يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين وأن يتم كل منهما 18 سنة شمسية من عمره”، إلا أنه يجوز للقاض وفقاً للفقرة الثانية من نفس المادة بموافقة قاض القضاة “أن يأذن في حالات خاصة بزواج من أكمل الخامسة عشرة سنة شمسية من عمره وفقاً لتعليمات يصدرها لهذه الغاية إذا كان في زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة ويكتسب من تزوج وفق ذلك أهلية كاملة في كل ما له علاقة بالزواج والفرقة وآثارهما”.
وتؤكد القدومي على أهمية تشريع قانون للطفل، ذلك أن المواثيق والاتفاقيات الدولية هي تعليمات وانظمة يفترض أن تفرغ بقوانين وتشريعات محلية يمكن الاستناد إليها. وتوضح القدومي، وهي خبيرة دولية بإعداد تقارير خاصة بالطفل أن اتفاقية حقوق الطفل تنص في مادتها الأولى على أن “.. الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة”. وكذلك المادة (16) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في بنده الثاني الذي ينص على أنه “لا يبرم عقد الزواج إلا برضى الطرفين الراغبين في الزواج رضى كاملاً لا إكراه فيه”، مؤكدة أن هذه “الزيجات” تعد انتهاكاً لحقوق الطفل، وتعتبر “تزويج” وليس “زواج”، ذلك أن الزواج إرادة حرة ويشترط فيها القبول والإيجاب والوعي من قبل الزوجين، إلا أنه في حالة “الزيجات” السابقة الذكر، فإنه يتم التعامل مع هؤلاء الطفلات وكأنهن “بضاعة” ولسن بشر، بحيث يحق للأهل تزويج الفتاة وإعادة تزويجها بعد طلاقها، أي أن المسألة “بيع وشراء”، وهو اعتداء على طفولتها، وقد يشكل تهديداً على صحتها بحال حدوث الحمل والولادة.
وتجري غالبية الزيجات بعقود “برانية”، كما يصطلح السوريين على تسميتها، ولا يتم توثيقها في المحاكم الشرعية. ويكتفى بشاهدين وكتابة ورقة تثبت أن الزواج قد تم. ما يعني أن الزوجة لا تستطيع اثبات زواجها خاصة إن قام الزوج بتمزيق عقد “الزواج البراني”.
ويعد “الزواج البراني” مخالفاً لقانوني الأحوال الشخصية والعقوبات في الأردن، ويعاقب عليه بالحبس والغرامة، التي قد تصل إلى 1000 دينار، ويجب توثيقه لدى المحاكم المختصة. إلا أنه لا يعاقب أي من أطراف العقد بالحبس، وفق منطوق المادة 279 من قانون العقوبات التي اقتصرت على الحبس من شهر إلى ستة أشهر، إلا بعد تجريمه من قبل قاضي الصلح الذي لا يبحث بدوره في تلك العقود إلا بناء على شكوى أو تحويل من الضابطة العدلية “الشرطة”.
تزوجت سهى من كويتي خمسيني قبل ان تكمل عامها الرابع عشر بعقد براني، وانجبت طفلاً قبل أن تكمل الخامسة عشرة من عمرها، وتجاوز مجموع ما دفعه الزوج الخمسيني لعائلة سها 30 ألفاً.
تقول والدة سها: اضطررت لتزويج طفلتي بسبب فقرنا الشديد، فأنا ارملة، ولدي عائلة مكونة سبعة أفراد تتراوح أعمارهم من ( 3 أعوام إلى 17 عاماً)، لديهم احتياجات كثيرة، ولا تكفينا معونات مفوضية اللاجئين، المحصورة بكوبونات الغذاء. وبالرغم من ذلك، فقط رفض الزوج الخمسيني الاعتراف بالطفل، مما اضطر والدة مها إلى رفع دعوى عليه لتثبيت الزواج وبالتالي حصول الطفل على جنسية والده. وقد طُلقت سها بمجرد تثبيت الزواج، وبعد عدة أشهر، أعادت والدتها تزويجها من أبن شقيقتها المتزوجة من سعودي.
إجراءات صارمة
ومن أجل حفظ حقوق هؤلاء النساء والحد من زواج القاصرات، فرضت السلطات الأردنية شروط صارمة، منها موافقة وزارة الداخلية، عدم ممانعة من المحاكم الشرعية، ابراز وثيقة تثبت أنها غير متزوجة، وعمرها فوق 18 عاماً، إضافة إلى توظيف قضاة شرعيين في مخيمات اللجوء السوري لتنظيم عقود الزواج، وتثبيتها قانونياً.
وبالرغم من كل الإجراءات التي يتبعها الأردن للحد من زواج القاصرات إلا أنه لا يمكن كشف كل الزيجات، خاصة التي تتوافر بها أركان جرائم الإتجار بالبشر كونها تحدث بعيداً عن”عيون” القانون.
أسماء الضحايا أعلاه مستعارة
أعد هذا التقرير ضمن مشروع “إنسان”.
(هوربوست).