قوس قزح السياسة من «جنيف» الى «الاستانة»
د.حسام العتوم
21-01-2017 11:37 AM
كتب رايموند هينبوش في كتابه «سورية ثورة من فوق» عام 2011 ص.31 يقول: (إن الآمال في أن بشار قد يحرر النظام السياسي، بعد أن بدا أنه يشجع مبدئياً «ربيع دمشق»، خابت حين اتخذ النظام إجراءات صارمة ضدّ المعارضة السياسية السريعة النمو، والخط الذي يسير عليه بشار الآن هو أنه لا يمكن استيراد الديمقراطية الغربية تماماً، وهي تبدو غير ناضجة ما دام الشعب يعاني الفقر، وقلة التعليم، علاوة على ذلك، صحيح أن التغير السياسي سيحدث في النهاية، لكن ينبغي بناؤه على التحديث الاجتماعي والاقتصادي بدلاً من أن يسبقهما، وذلك خشية تزعزع الاستقرار، كما حدث مع غور باتشوف.
وكتب هنا (هينبوش) أيضاً في الصفحة نفسها، وحسب ترجمة الدكتور حازم نهار بأنه يمكن فهم مشروع بشار على أنه «عصرنة الاستبدادية» أي تحسين عمل النظام بحيث يمكنه البقاء والاستمرار، وتوليد التنمية الاقتصادية اللازمة لضمان قاعدة النظام الاقتصادية. لذلك فإن الأولوية الأولى هي الحاجة إلى تجديد كوادر القيادة وموظفيها. وكان من المهم أيضاً تحسين المحاسبة والشفافية (على سبيل المثال، باغنائها بتسهيلات تقانة المعلومات). إن دور المؤسسات الرسمية، وحكم القانون والإصلاح الإداري، والمعركة ضد الفساد هي كلها من سمات المشروع. لكن المعارضة تشكك في ذلك، وترى أن اياً من حكم القانون، أو المحاسبة، أو الإصلاح الاقتصادي، هي غير ممكنة من دون الاصلاح السياسي. (انتهى الاقتباس)، وتعليقي حول ذلك يدفع باتجاه أنّ الأزمة المتدحرجة في الشقيقة سورية اليوم منبعها جذور النظام الأسدي البعثي إنْ صح التعبير، وهو الذي ظهر عام 1970 بعد انقلاب عسكري على السياسيّن (صلاح جديد، ونور الدين الاتاسي) والاستمرار في الحكم حتى عام 2000، وبعد ذلك صعود اسم (بشار) للسلطة في دمشق وفق دستور احتكر فيه حزب البعث الحاكم السلطة منذ عام 1973 وحولها عد عام 2012 إلى سلطة العائلة الحاكمة الاسدية، تحويل رئيس لجمهورية المنتخب الى ملك خفي بعد تمديد الفترة الرئاسية من 4-7 سنوات قابلة للتجديد عبر صناديق اقراع مشكوك بمصداقيتها شعبياً وعربياً وعبر استفتاء، ، شعبي مماثل والتلميح بأن يخلفه ابنه (حافظ) البالغ من العمر 17 عاماً حالياً والدارس في موسكو تمشياً مع شعار سابق الى الابد يا حافظ الاسد، وعدم القدرة على الاصلاح رغم شبه الاكتفاء الذاتي، والاصطدام بالربيع العربي وترجمته إلى سوري أسود ارتكز على إدخال الإرهاب إلى داخله عبر بوابات الفساد الحدودية والداخلية.
ويرى الباحثPerthes في الكتاب نفسه بأنه يوجد اتجاهان آخران يحيطان بتحديث بشّار الاستبدادي، فهناك «المحافظون» الذين يريدون إبقاء دور حزب البعث وامتيازاته، الذي يمثل الخط القومي، وربما العقد الشعبي مع الناس، وهناك المعارضة الموالية أيضاً التي تريد في النهاية التحويل الديمقراطي للنظام لكنها تنشد ائتلافاً مع مجدّدي بشّار لانجاز التجديد على مراحل.
ويجادل Perthes بأنه من المحتمل أن تكون سورية أكثر الدول العربية جهوزية للديمقراطية بين الدول العربية الأخرى، لكونها تمتلك معارضة موالية، وإجماعاً شعبياً متعلماً نسبياً. وهنا حيث يكون دور القيادة لازماً. (انتهى الاقتباس من صفحة 31 ذاتها)، والقول لي هنا بعد ذلك بأننا بالفعل كنا كعرب نتوقع قدوم نمط جديد من القيادة السورية المجاورة، وليس بطريقة التوريث بطبيعة الحال، فحزب البعث الحاكم المتمسك بزمام السلطة السورية هو صاحب الولاية العامة في دمشق، أو هكذا يجب أن يكون الحال وليس العائلة العلوية الأسدية على طريقة الأنظمة غير الجمهورية إنْ صح التعبير، والأصل أن تم منذ البداية، ومع تعاقب السنوات استقطاب الى وسط نظام الحكم ليس المعارضة الموالية فقط، وإنما الممكن من المعارضة اليسارية المحسوبة على الشارع السوري أكثر قبل أن تتبنى قمع السلطة لناسها في (درعا)، وحملها للسلاح لاحقاً، وتطويرها لأعمالها بعد ذلك بالتعاون مع بعض دول العمق العربي ومع ألوان من بلاد العجم أيضاً، والمعارضة الموالية وحدها لا تكفي لصناعة الديمقراطية السورية ما دامت وحدها منسجمة مع السلطة، وما كان بالإمكان اقناع المعارضة المتشددة لرمي السلاح جانباً والتمسك بالحوار مبكراً.
وستيفن هايدمان في كتابه «التسلطية في سورية» الصادر أيضاً عام 2011 الذي ترجمه إلى العربية عباس. ص 15 ذكر بأن «صعود بشار الاسد السريع والسلمي والمنظم خادعٌ. فسورية في الأشهر القادمة على الأرجح، ستكون أي شيء ما عدا ان تكون مسالمة ومنظّمة، فالأسد الصغير سيكون عليه مواجهة تحديات طاغية بسرعة كبيرة، وفي الحقيقة سيكون محظوظاً إذا أتمَّ عامه الأول في منصبه، وهنا والكلام لي فأنني أجد بأن الكاتب (هايدمن) أعلاه سرعان ما يغيّر انطباعه عن الأسد الابن في السطور اللاحقة وكيف انه بدا اكثر اماناً وصموداً في موقعة الرئاسي ومراقباً حذراً لما جرى من غزو امريكي للعراق المجاور له، وكذلك الأمر أمام حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، وتصرفه بالانسحاب من لبنان، ومواجهته لخطر محكمة الجنايات الدولية، وأضيف هنا بأن الرئيس بشار الأسد لم يتفاجأ بتلاطم أحداث بلده سورية منذ اندلاع ربيعها الذي سرعان ما تحول الى اسود ودخان ونار وخراب ودمار وقتل وتشريد بسبب تقديم نظام حكمه رغم ذكاءه شخصياً للأمن المفرط وللعسكرة على السياسة والدبلوماسية في محاكاة الشارع السوري وقضاياه الحياتية العالقة وهو الذي يبدو اليوم محاضراً اكثر من كونه رئيساً، ولولا العلاقات الجيوبولوتيكية الوشيجة بين نظامه العلوي مع إيران وحزب الله وروسيا ومن خلفها الصين في المقابل لما تمكن الاسد من الصمود ساعات قليلة امام امريكا وحلفها العسكري الاوروبي «الناتو» وأمام أصدقائه في المنطقة وفي مقدمتها تركيا وإسرائيل الى جانب بعض دول العرب. وكانت دائما أمريكا تتوجه لاتخاذ قراراتها السياسية والعسكرية أو بالعكس لمعالجة قضايا العالم والشرق الأوسط تحديداً، وبينها الأزمة السورية وفق عمل فردي يبعد عن مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وعبر ما اصطلح على تسميته شعبياً وسط العرب بسياسة «الكابوي» والقفز من وراء الجدران إلى أن تحركت روسيا من وسط مصالحها الجيور استراتيجية والقومية، وبعد تفهمها لإبعاد الحرب البادرة السرية التي تحرك صوبها من طرف الغرب الأمريكي فوضعت يدها أولاً على صمام القنبلة الكيماوية أي (ترسانة الصواريخ السورية)، واتفقت مع أمريكا من دون الالتفات لمماحكاتها المتتالية العلنية والسرية ضدها، فتم إصدار قرار جماعي من مجلس الأمن رقم 2118 بهدف إدانة استخدام السلاح الكيماوي السوري والعمل على تفكيكه انقاذاً لسورية أولاً، وللمنطقة ثانياً، ولأمن العالم ثالثاً، وفي كل مرة كانت روسيا حريصة على الاقتراب أكثر من أمريكا ومن الاتحاد الأوروبي، ومن العرب بكل تأكيد لإيجاد حل سلمي ناجع للازمة السورية الدموية وعينها على مجلس الأمن والأمم المتحدة والقانون الدولي ومنه الإنساني وعلى المحكمة الدولية الجنائية مغلقة الطريق في ذات الوقت أمام أي قرارات فردية، غير قانونية وخارج الشرعية الدولية.
ومع أن اولوية سورية والعرب ودول الاقليم والعالم الابعد، ومنها العملاقة مثل روسيا وأمريكا كانت ولازالت على الدوام هي محاربة الإرهاب المنبثق عن تنظيم القاعدة الإرهابي والممثل على الأرض بعصابتي (داعش) و(النصرة) المجرمتين، الا ان خيار السلام كان ماثلاً وحاضراً حتى الساعة وخادماً لمستقبل الدولة السورية (الوطن والشعب) على حد سواء، فجاء مؤتمر جنيف (1) عام 2012 بجهد روسي أمريكي ودولي مشترك وتحت مظلة الأمم المتحدة في عهد أمينها العام (بان كي مون)، وهدف إلى وقف إطلاق النار في سورية من قبل كافة أطراف النزاع، والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، وكفالة أمن الصحفيين و عناصر الأمم المتحدة، وإجلاء الجرحى وتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين لها، ومنح الشعب السوري حق تقرير مستقبل وطنه، والوصول لصياغة جديدة للدستور السوري، وإجراء انتخابات نزيهة تضمن حرية الاقتراع تحت رقابة دولية.
وجاء مؤتمر جنيف 2 الذي دعت إليه الأمم المتحدة عام 2014 لردم الفجوة والصراع بين نظام دمشق وبين المعارضة الوطنية حاملة السلاح والباحثة كما النظام عن دعم خارجي، وتم التركيز على المرحلة الانتقالية وقتها بهدف ترتيب أوراق السلطة وسط أجواء مشحونة بعدم القبول بالشروط المسبقة من الجانبين، وبقيت روسيا متمسكة بأهمية الورقة الامريكية تحديداً لتحقيق نتائجاً ناجعة على الارض، ولم تصغي لأية احباطات، ونجحت لاحقاً في إعلان هدنة مستقرة بين سلطة دمشق والمعارضة الوطنية بعد اجتماعها في موسكو مع إيران وتركيا بتاريخ 20 كانون الاول عام 2016 مهدت للإعداد لمؤتمر (الاستانا) في كازاخستان) المقبل والمقرر عقده في الربع الاخير م شهر كانون الثاني الحالي وتحديداً في العشرين منه استعداداً لعقد مؤتمر جنيف (3) بعد ذلك، والخطوة الروسية هذه تبناها مجلس الامن وجاءت متعاونة مع تركيا وإيران، وما كان لهذا النجاح أن يكون لولا المرونة الروسية في التعامل مع الملف التركي، وإحداث دوران فيه بعد أن كانت وجهة تركيا مختلفة تماما عن روسيا، وبعدما مارست إدارة الظهر سياسياً تجاهها، فحولتها من مشاكس لها بعد حادثة طائرة (السوخوي 24) العسكرية، ومن متحرش بنظام دمشق الى متعاون معها وباحثاً عن السلام الحقيقي، حول سورية وتوطيد عسكري ونووي سلمي سابق ومتواصل مع إيران مهد لذلك.
وفي المقابل لم يتمكن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما من نصب لغم سياسي بين القيادة الروسية بزعامة (الرئيس بوتين) وبين القيادة الأمريكية القادمة بقيادة (الرئيس ترامب)، ومن نسف مؤتمر (الاستانا) المقبل وكذلك مؤتمر جنيف 3 الذي يليه، خاصة وأن روسيا معروفة بمهارتها عالية المستوى في تفكيك الألغام الحقيقة على الارض والسياسية منها، فقابلت موسكو موضوع طرد عدد من دبلوماسييها من أمريكا وقدر عددهم بـ (35) شخصاً ومعهم طباخهم الخاص حسب الاعلام الفضائي الروسي (24+ RTR+ 1) بدعوة ابناء الدبلوماسيين الأمريكان العاملين في موسكو للاحتفال برأس السنة الميلادية 2017 في قصر الكرملين مباشرة وحول شجرته الرئيسية، والابراق للرئيس اوباما وتهنئته وعائلته وبالمناسبة ذاتها اعلاه، وترحيب بخطوة الرئيس الروسي (بوتين) هذه من قبل الرئيس الامريكي (ترامب) على صفحته للفيس بوك وصفها بالذكية.
وللحقيقة أرى من الواجب أن استند لأقوال وجهود سيدنا جلالة الملك عبد الله الثاني (حفظه الله ورعاه) الداعية لإرساء السلام في الشقيقة العربية سورية وفي الشرق الاوسط، وتحضرني هنا مقابلة اجرتها صحيفة (الدستور) الاردنية مع جلالته بتاريخ 15 أغسطس من العام المنصرم 2016 شدد فيها على أن الحل السياسي ينهي المعاناة ويحافظ على وحدة الأراضي السورية، مضيفاً جلالته بأن ذلك يسهم في اطلاق اصلاحات واسعة تضمن التعددية والديمقراطية والمصالحة وعودة اللاجئين الى بلدهم، والآن يستعد الأردن بقيادة جلالة الملك لاستضافة القمة العربية المقبلة في عمان في نيسان بعد استحالة انعقادها في اليمن، وفي ظل ظروف عربية غاية في التعقيد والتأزيم والتأجيج بسبب انهيار الربيع العربي واختراق الإرهاب الأسود له، واستهدافه للحضارات والتاريخ والمستقبل؛ كتب حمادة فراعنة في مؤلفة تنظيمات إسلامية عابرة للحدود.ص. 104 يقول: (فالصراع في سوريا والعراق ضد نظامي الحكم القائم فيهما من قبل القاعدة وداعش، يتوافق مع صراع مباشر أيضاً ضد بعضهم، وما يجري في سوريا والعراق يمتد الى اليمن؛ وتأتي القمة في زمن هو الأصعب على الأمة العربية المحتاجة للوحدة ولتشكيل القطب العربي الواحد وسط أقطاب العالم المتوازنة والمأمول منها أن لا تبقى متصارعة، وكتاب الحركة العربية للمؤرخ الأردني الكبير المرحوم سليمان الموسى يؤكد دعوة ملك العرب وشريفهم الحسين بن على لوحدة فدرالية عربية حقيقة، والله من وراء القصد.