الاختراقات الأمنية في الأردن أكبر من فعل الذئاب المنفردة
20-01-2017 03:00 PM
عمون - د. عبد الحميد صيام* - لا أستطيع أن أغيب طويلا عن عمان فهي مدينة بواكير الشباب ومن جامعتها الأردنية طويت سفر اللغة العربية في قلبي وطرت به إلى الآفاق مسكونا بالمتنبي وألفية ابن مالك. غياب أربع سنوات أثار استغراب ضابط المطار فلامني على ذلك وقبلت اللوم برحابة صدر، وقلت له أعدك ألا أكررها ثانية. ومنذ وصولي بدأت الاتصالات بالأصدقاء والمسؤولين والوسط الصحافي والثقافي والأدبي، وأود أن أشارك القارئ في بعض الملاحظات التي جمعتها من هذه اللقاءات وسأحاول أن أكون دقيقا قدر الإمكان فيما أنقل بالمعنى وليس بالمبنى.
في بيت رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري
تكرم رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري واستقبلنا في بيته، بسام البدارين، مدير مكتب «القدس العربي» وأنا. فتح لنا قلبه وعقله ونحن نلح عليه بالمزيد من تحليلاته العقلانية المتزنة التي تنبع من خبرة السنين الطويلة في العمل السياسي والحكومي. «نحن يا دولة الرئيس قلقون على الأردن فقدره أن يكون توأما لفلسطين، حيث ترابطا في المصير وتبادل الأثر والتأثير. فكيف ترى الأمور في ظل التطورات العربية والإسرائيلية خاصة؟ أما زالت هناك مخاوف من عملية الترانسفير أو التطهير العرقي أو الوطن البديل؟ وهل حل الدولتين ما زال قائما؟ هكذا بدأنا الحديث معه.
تنهد عميقا وأبدى ألمه على ما يجري في الوطن العربي بشكل عام وقضية فلسطين بشكل خاص وانطلق في الحديث. تذكرون أن عند التفكير بإنشاء دولة يهودية في إسرائيل لم يكن يزيد عدد اليهود في فلسطين كلها عن 70000 لا يشكلون أكثر من 6%. وقد بدأ العامل الديمغرافي يتغير شيئا فشيئا لصالح اليهود، عبر الاستيلاء على الأرض وطرد السكان، حتى أقيمت دولة إسرائيل بعد خمسين سنة ولم يبق فيها إلا نحو 100000 عربي. لاحظوا أن احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة مضى عليه خمسون سنة تقريبا لم يمض يوم دون أن تستولي إسرائيل على شيء من الأرض وتهجر مزيدا من السكان. يوجد الآن نحو 700000 مستوطن يهودي في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وقد تم تهجير العدد نفسه أو أكثر قليلا إلى الأردن أو الخارج، أي أن هناك عملية مزدوجة من الضخ والإجلاء. نأتي إلى السؤال المهم، هل هناك إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة؟ ليس سرا أن إقامة الدولة أصبح أمرا عسيرا. كان ذلك ممكنا أيام رابين أما اليوم فلا. إذن كيف سيتم التعامل مع هذا التطور؟ هناك مشروعان أمام إسرائيل فإما أن يتم طرد السكان في الضفة الغربية وشرق القدس إلى الأردن أو التضييق عليهم لإجبارهم على الرحيل التدريجي، وهذا ما يؤيده اليمين المتطرف في إسرائيل، أو أن يتم ربط المزق والكانتونات الفلسطينية المعزولة عن بعضها بعضا ربطا إداريا بالأردن، وبالتالي يمكن للمشكلة الديمغرافية والسياسية أن تحل بدون صرخة عالمية. لقد نادينا منذ زمن طويل للتنبه لمخطط إسرائيل، حيث يرى متطرفوها ورجال الدين أن قيام دولة إسرائيل لا يكتمل بالإستيلاء على الساحل الفلسطيني، فالدولة اليهودية، كما يدعون، أقيمت أصلا في الضفة الغربية، حيث يرى غلاة اليهود أن هناك ثلاث معجزات لا بد من أن تتحقق: أولا قيام دولة إسرائيل وقد تحقق، وتوحيد القدس وإعلانها عاصمة إسرائيل الأبدية وقد تحقق تقريبا على الأقل من وجهة نظرهم، وأخيرا إقامة الهيكل وهم يعملون بجد على تحقيقه عندما تكتمل الظروف.
الأردن لا فكاك له من الترابط مع القضية الفلسطينية، فليس من العقلانية أن يعتبر البعض أن عزل الأردن عن بعده الفلسطيني أو عزل فلسطين عن بعدها الأردني أمر ممكن أو سهل، ولذا فإن التنبه للمخططات الإسرائيلية في ظل أكثر حكومات إسرائيل يمينية أمر تتطلبه دواعي الأمن والمصير. فهذه الحكومة التي يديرها المستوطنون لا تتورع عن القيام بأي عمل من شأنه أن يسهل ابتلاع الأرض والتخلص من السكان. الأمن الداخلي في الأردن، شئنا أم أبينا، يتأثر بمحيطه فجيرانه سوريا والعراق والسعودية وفلسطين وإسرائيل كلها بؤر ملتهبة. إذن لا بد من تمتين الوحدة الوطنية في البلاد للحفاظ على الاستقرار والأمن والسلم الداخلي في ظل هذه الحرائق.
حادثة الكرك
الهاجس الأمني هو حديث الناس في الأردن بعد عدة عمليات إرهابية قام بها فرد أو أفراد ينتمون فكريا لـ»داعش» أطلق عليهم اسم الذئاب المنفردة. أما حادثة الكرك يوم 18 ديسمبر فهي مختلفة تماما وفاجأت الناس جميعا. تسمع الرواية مرة وراء مرة وفي كل مرة يأتيك المزيد من التفاصيل والمعلومات. لقد هزت الحادثة الفريدة من نوعها وما زالت كيان المجتمع الأردني بكافة أطيافه للعديد من الأسباب أولها عدد الضحايا وثانيها مدى التقصير الأمني وثالثها أن المجموعة من أبناء البلد المعروفين ورابعها أن المجموعة كانت منظمة ومدربة وقامت بتخزين كميات كبيرة من السلاح.
القصة تبدأ من خلية داعشية استأجرت بيتا في بلدية نائية تدعى القطرانة، ولما اكتشف أمر المجموعة بالصدفة واتصل صاحب البيت بالشرطة أرسل له سيارة فيها شرطيان. من هنا يبدأ التقصير، فتقوم المجموعة بإطلاق النار عليهما وقتل أحدهما وجرح الآخر، وأخذ السيارة باتجاه الكرك لينضم إلى المجموعة شخص خامس ويستبدلون السيارة بأخرى ويتجهون نحو القلعة ونيتهم حجز أكبر عدد من الرهائن وكانوا يطلقون النار على المخافر والأفراد طوال الطريق. يقطعون مسافة 45 كيلومترا دون حواجز اعتراضية أو ملاحقة بطائرات عمودية، أو باستخدام أسلحة كثيفة، إلى أن وصلوا القلعة. عندما سمع سائق حافلة سياحية إطلاق النار لملم السياح بسرعة وانتحى بهم بعيدا فأنقذهم من كارثة محققة، إلا سائحة كندية كانت تتجول وابنها داخل القلعة أطلقوا النار عليها وقتلوها وأصابوا ابنها. واستمر تبادل إطلاق النار لعدة ساعات إلى أن قرر القائد الميداني البطل سائد المعايطة اقتحام القلعة فدفع عمره ثمنا لذلك، لكنه استطاع ومجموعته القضاء على المسلحين الأربعة.
كل من تحدثت معه من أطياف الشعب الأردني يجمعون على أن هناك تقصيرا واسعا. فوالد أحد أفراد المجموعة كان قد قدم بلاغا في ابنه بأنه أصبح ينتمي للفكر الداعشي فاعتقل مدة شهر ونصف الشهر وأطلق سراحه ولم تقم الأجهزة بمتابعته. وبعض أفراد المجموعة كانوا قد اعتقلوا بسبب شبهة انتمائهم للمتطرفين. ويتساءل الناس لماذا لم ترسل قوة كبيرة من قوات التدخل السريع إلى القطرانة لمحاصرة المكان ودعوتهم للاستسلام؟ ولماذا لم تتم ملاحقتهم ووقف فرارهم قبل الوصول إلى القلعة؟ وأين هي الحواجز المعترضة وقوات الدرك المحمول؟ كيف يمكن للدولة أن تنفذ ذخائرها فيهب المواطنون لقتال المجموعة ويتبرع أحد أبناء البلدة من تجار السلاح بكميات هائلة من الذخائر والأسلحة الخفيفة؟ الناس لم يتفهموا هذا العدد من الضحايا في صفوف قوات الأمن والمواطنين، واعتبروا أن تضارب الروايات وخلافات المسؤولين علنا فاقم من إحباط الشارع الأردني.
هذه عملية نوعية تختلف عما جرى في إربد وما جرى في البقعة وما جرى في غيرها، حيث شهد الأردن 6 عمليات إرهابية خلال عام 2016 ذهب ضحيتها 27 من الأجهزة الرسمية كالمخابرات والأمن الوطني والدرك وحرس الحدود شهداء. كما استشهد 49 مدنيا من بينهم السائحة الكندية. هذا التوسع في العمليات الإرهابية يثير تساؤلا كبيرا: هل هزيمة وطرد التنظيم من الموصل سينعكس على الوضع الداخلي في الأردن، خاصة أن عددا من أبناء الأردن الذين التحقوا بالتنظيم قد يفكرون بالعودة والاستقرار في البلد؟ وللعلم فإن عددا كبيرا من المتطوعين الأردنيين في تنظيم «داعش» قتلوا في سوريا والعراق؟ وقد أخبرني خبير في الشأن الداخلي أن عدد الجنازات العلنية التي أقيمت لأشخاص قتلوا في صفوف «داعش» في سوريا والعراق فاق 500 جنازة يطلق عليها أصحابها «عرس شهيد». «قدر الأردن أن يبقى ساحة تتأثر بتطورات المنطقة حتى لو لم يكن له دور في أي من تلك التطورات»، كما قال لي ضابط متقاعد برتبة كبيرة.
*محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي/ عن القدس العربي.