أحمد اللوزي: سياسي مخضرم صديق للمتنبي وشغوف بأم كلثوم وناظم الغزالي
د.مهند مبيضين
27-10-2008 03:00 AM
في قرية "الجبيهة" وبجوار عمان الحاضرة التي كانت تتأهب يومها للانتقال بالبلد من مشروع نهوض وثورة إلى نظام حكم، كانت ولادة احمد اللوزي في عام 1925. وما أن أنهى الفتى درس الابتدائية حتى اتجه الى السلط فأنهى دراسته في مدرستها الثانوية.
بعد ذلك، اتجه شرقاً صوب بغداد، والارجح انه غادر عمان سنة الاستقلال 1946. وفي بغداد درس الآداب وتخرج في كلية المعلمين عام 1950، يومها كانت كلية دار المعلمين تغص بالأفكار السياسية، وكانت تحتضن كبار الاساتذة من أمثال المؤرخ صالح احمد العلي رحمه الله والدكتور مصطفى جواد احد اهم اللغويين العرب في القرن العشرين، وهناك الدكتور ناجي معروف وسليم النعيمي رحمهما الله جميعاً، وكان معهم عبدالعزيز الدوري امده الله بالصحة والعافية.
كانت بغداد أولى صفحات الوعي. والأغلب ان اللوزي مال إلى التيار القومي. وبحسب بعض المصادر، فإنه التحق بحزب البعث شاباً، ثم ما لبث ان انقطعت صلته به عام 1950 وهو عام التخرج.
ومع ان الوثائق تغيب في تحديد مسار الرجل التنظيمي السياسي او الفكري. الا انه يؤكد في احدى مقابلاته الصحافية انه عندما كان موظفاً بالديوان الملكي جرى لقاء بينه وبين الفريق المتقاعد محمد رسول الكيلاني مدير المخابرات آنذاك، وجرى في اللقاء استفسار للكيلاني عن مسألة انتماء اللوزي لحزب البعث.
ذلك اللقاء على ما يبدو انه تم بعد ان ترك اللوزي التدريس، إذ عمل بعد عودته من العراق مدرساً في مدرسة السلط الثانوية ثم في كلية الحسين بعمان بين عامي 1950 و1953, وفي عام 1953 عين مساعداً لرئيس التشريفات الملكية. ثم رفع لمنصب رئيس التشريفات الملكية بعد ثلاثة اعوام، لينتقل في عام 1957 للعمل مديراً للمراسم في وزارة الخارجية، ثم عاد ثانية رئيساً للتشريفات الملكية.
والمدقق في هذه الاعوام وهي - ربيع عمان السياسي وحكومة سليمان النابلسي- يدرك معنى ان يكون المرء مع الملك الحسين في ذلك الزمن الصعب. ويبدو ان موقع الرجل والثقة الكبيرة التي بناها في علاقته مع الملك الحسين رحمه الله والتدريب الذي تلقاه في مكاتب الادارة العليا للدولة، وانخراطه الفاعل في التجربة السياسية مع حسه المرهف وحسن بيانه اللغوي السليم قد اهله ليبدو مشروعا سياسيا في بزة معلم كبير، ولقد بدأ ذلك مع تكون وعيه بين عام الاستقلال 1946 وعام تعريب الجيش سنة 1956.
في 21 تشرين الأول (اكتوبر) عام 1956 انتخب مجلس الامة الخامس وقد اتم مدته الدستورية في تشرين الاول (اكتوبر) عام 1961 وكان المجلس الخامس قد شرع قانوناً جديداً للانتخابات عام 1960 تضمن زيادة عدد النواب الى ستين نائباً منهم ثلاثون عن الضفة الشرقية وثلاثون عن الضفة الغربية.
وفي 22 تشرين الاول (اكتوبر) عام 1961 تم انتخاب مجلس الامة السادس، ونجح اللوزي في ذلك المجلس وكان نائباً عن عمان. ومع ان المجلس السادس انهى مدته في 17 تشرين الاول (اكتوبر) 1962 الا ان اللوزي عاد نائباً في المجلس السابع الذي انتخب في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 1962 وهو المجلس الذي انهى مدته في 21 نيسان (إبريل) 1963.
بعد ذلك عين ابو ناصر الرجل الذي عرف عنه بأن الهدوء يغلب عليه مع التواضع الشديد، مساعداً لرئيس الديوان الملكي سنة 1963 ثم وزيراً للدولة لشؤون رئاسة الوزراء، وبعدها عضواً في مجلس الاعيان عام 1965 ثم وزيراً للداخلية عام 1967 وهنا دخل الرجل الزمن الصعب، زمناً كانت فيه عمان تمور بالأفكار الكبرى والطروحات الايديولوجية، ومع ان الرجل وعى النكبة وشهد وشاهد النكسة وتداعياتها، الا انه ايضاً يظل محدقا في فصول تاريخ الزمن المر الممتد بين عامي 1967 و1971م.
ذلك الزمن الصعب تقدم به اللوزي ليصبح رئيساً للوزراء بعد اغتيال الشهيد وصفي التل في القاهرة، فشكل رئاسة الوزراء عام 1971 واستمر بها حتى عام 1973. يقول المؤرخ د. علي محافظة :" تكمن أهميته (اللوزي) في أنه كان قريبا جدا من الملك حسين وكان كاتبا لكثير من خطبه وحتى الأحاديث الصحافية الكثيرة, وهو المطلع على اسرار أكثر الحقب السياسية توترا، فأحمد اللوزي وجد في فترة حرجة بعد استشهاد وصفي التل، وتلك المرحلة كانت مرحلة التصفية مع العمل الفدائي، لذا أرى أن فترته كانت فترة تهدئة مع المنظمات الفدائية، ففي عهده بدأ التفكير في إعادة اللحمة للعلاقة بين الشعبين الأردني والفلسطيني من خلال الاتحاد الوطني، واقتراح المملكة العربية المتحدة بين الأردن وفلسطين".
ويصف محافظة أبا ناصر بأنه "متواضع وبعيد عن الإعلام وقريب من الناس ويتحسس مشاكلهم وهو يمثل النخبة الأردنية المثقفة، ثم إنه أستاذ لغة عربية فذ وله مقدرة فائقة في العربية".
ويؤكد السياسي جمال الشاعر ما يقوله محافظة من أن اللوزي سعى للتهدئة واخراج البلد من اتون الغضب, فيذكر في مذكراته أن "حكومة السيد احمد اللوزي واصلت ترتيبات الاتحاد الوطني، وانتخاب اللجنة التنفيذية له، التي حاولت ان تكون الاطار الاوسع للحكومة، وان تساهم في الحياة السياسية اضافة الى مجلس النواب".
ومع ان الرجل "يمثل شخصية متصالحة بعيدة كل ابعد عن الوجاهة والجغرافيا في قراراته وفكره، إلا أنه يظل السياسي الابرز في زمن كان فيه الاردنيون يأخذون على التيارات الفكرية عدم التعامل معه بود كبير، او كما يتعاملون مع الآخرين، فإبان حكومته نشطت مجموعة من الشباب الاردني أواخر الستينيات بالبحث عن دور للشرق أردنيين وبضرورة ان يكون لهم تنظيم سياسي، وهذا ما كان يسعى اليه آنذاك الدكتور سعيد التل" بحسب ما يروي الشاعر في مذكراته.
في تفاصيل الحياة الكثير مما يحمله دفتر الاستاذ اللوزي، فقد كان عضوا ثم رئيسا للمجلس الوطني الاستشاري عام 1978 ثم عين رئيسا للديوان الملكي الهاشمي ( 1979-1984) ومن ثم عين عضوا ثم رئيسا لمجلس الأعيان (1984-1997).
وإلى جانب السياسة كان اللوزي على صلة بمعاهد العلم والجامعات، فقد اختير عضوا في مجلس أمناء الجامعة الأردنية من عام 1971 الى 1976، ثم اختير رئيسا للجنة الملكية الخاصة لجامعة مؤتة عام 1975-1985 فعضوا ثم رئيسا لمجلس أمناء الجامعة الأردنية بين عامي 1980 و1985، وهو اليوم رئيس لمجلس أمناء الجامعة الاردنية.
بيد ان الرجل، كما يقول الفرنسيون، هو الاسلوب، فإن اللوزي يتميز بحنكته السياسية وعدم ميله للخصومات. كما يتمتع بقدرة استثنائية على الإنصات والاستماع لمطالب الناس، وهنا نجد ان شخصيته كمدرس اثرت فيه، فما يحتاجه الطلبة من الاستاذ أن يستمع لهم ويتسع لهم صدره ويجيد الشرح، وهذا ما يتسم به اللوزي الذي وإن غادر المواقع السياسية بعد عام 1997 إلا أنه ظل متصلا بالناس يستمع لقضايا من يقصدونه ومن يرتادونه لأجل خدمة او مطلب من هذا المسؤول أو ذاك ومن كل مناطق الاردن.
يحب اللوزي المشي ويمارس الرياضة بانتظام لدحر رفيق الجسد المزعج منذ عام 1973 وهو مرض السكري عافاه الله منه. يبدأ يومه بقراءة الصحف ثم مطالعة بعض الكتب، وهو مواظب على صحبة المتنبي، كما يقرأ لبدر شاكر السياب، وإذا سمع بكتاب هنا او هناك فإنه لا يتوانى عن الحصول عليه والطلب من مدير مكتبة الاستاذ فاروق سليمان نوار أن يؤمنه له. ويطرب أبو ناصر لأم كلثوم والسيدة فيروز وناظم الغزالي. تزوج اللوزي من السيدة بديعة الكباريتي التي انجبت له ولدين (رئيس الديوان الملكي) ناصر اللوزي ومنصور الذي يعمل في قطاع الاعمال. أما ابنته بسمة فدرست الماجستير وهي اليوم خارج البلاد.
تحمل السير معها اسرارها، وقد تبوح ببعض منها، وقد تمسك على الكثير منها. وبما ان اللوزي يمثل الشاهد الأطول صحبة مع تاريخ الدولة وتجربة بنائها، فإن لديه الكثير مما يعد تاريخا ومما يعتبر في إطار غير المسموح تداوله، لكن الثابت ان الرجل في كل اللحظات التي تناوب فيها على المواقع العامة لم يفسر ما يحدث له بأنه حسابات قوى، ولذا لم يعرف ظاهرة الحرد التي طغت على سلوك كثيرين عندما تركوا مواقعهم ولم يشك يوما، ولم يعتبر ان خروجه من هذا الموقع أو ذاك كان إقصاءً، بقدر ما آمن الرجل بأن للدولة من اسمها نصيب في التداول، وأن بقاء الحال من المحال، وأنه سيظل جارا وفيا لعمان مهما امتد به العمر الطويل.
Mohannad.almubiadin@alghad.jo
...