تعتبر ظاهرة الانتحار من ضمن التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمعات عبر مراحل التاريخ، وتضطلع منظمة الصحة العالمية بواجباتها لتحقيق سبل الوقاية والحد منه، ومن أبرز تلك الجهود برنامج رأب الفجوة في الصحة النفسية الذي تم إطلاقه في العام (2008).
بشكل عام أينما يكون الحديث عن الانتحار يكون الحديث عن الاكتئاب، وهذا ما أكده الدكتور وليد سرحان استشاري الطب النفسي والادمان بأن (70%) من حالات الانتحار ضحايا لمرض الاكتئاب، كما أشار ان للبطالة والعزلة دور في الانتحار. ويمكن تعريف الانتحار على أنه إقدام الإنسان على إنهاء حياته. وبحسب منظمة الصحة العالمية هناك (800) ألف يلقون حتفهم سنويا بسبب الانتحار وأضعاف هذا العدد قاموا بمحاولات انتحارية فاشلة. ويعتبر الانتحار ثاني أكبر مسبب للموت للذين تتراوح أعمارهم بين (15-29) سنة. وأن (75%) من حالات الانتحار تقع في البلدان متدنية ومتوسطة الدخل.
ولكن لماذا يقرر الإنسان الانتحار؟
يقول الأشخاص وذوو الاختصاص ممن تعاملوا مع الاشخاص الذين انتحروا أنهم أحسوا بمشاعر من الوصول إلى طريق غير نافذ مثل النفق المسدود ويرافقه شعور بفقدان الأمل وانتهاء كل شيء، الحياة ليس فيها شيء يستحق البقاء. يقول علماء النفس ان الإنسان يفقد قدراته الدفاعية النفسية للبقاء وآخرين يصفون الأمر بهجوم كاسح على الذات. لا بد للإنسان العادي ان يمر بأعراض اكتئاب وتدني المزاج تبعا لأحداث الحياة؛ كفقدان شخص عزيز وقريب وخصوصا الاقارب من الدرجة الأولى وشريك الحياة او كحدث عارض او جريمة أو عمل إرهابي. لكن كل ما ذكر قد لا يكون سببا يدفع للانتحار. فقد كان الراحل صدام حسين رئيس جمهورية العراق معتقلا في سجون خصومه وقد فقد حكمه وولديه ووقف كالطود أمام محكمة ومشنقة المحتل يردد الشهادتين، نحسبه شهيدا بإذن الله. وهذا ما أشارت إليه الدراسات بأن التدين الحقيقي يرفع من مناعة الإنسان النفسية.
الانتحار في الإسلام محرم لقول الله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً" (النساء:29)،
القضية معقدة جدا وهناك ظواهر علمية في الانتحار ليس لها تفسير!!
مثلا الوظيفة؛ يشيع الانتحار بين الأطباء النفسيين وأطباء الأسنان والتخدير عن غيرهم. الانتحار لدى الذكور طريقته أعنف منه عند النساء.
ما هي عوامل الخطر!!
الإصابة بالاكتئاب وتناول المواد الكحولية. المتحولون جنسيا. المتعرضون للعنف الأسري والجنسي والصدمات وبين اللاجئين. غالبا ما يردد هؤلاء عبارات عن سخطهم والتحدث عن الموت وفقدان الأمل ويتركون رسائل اعتذار وتبرير. ومنهم من عانى من مرض نفسي او جسدي يسبب الشعور بالوصمة والعار.
كيفية تنفيذ الانتحار؟
تناول المبيدات الحشرية خاصة في القرى. وايضا ينهون حياتهم بطلقة في الرأس، رمي أنفسهم من فوق المباني، الشنق أحيانا. أما عند النساء تناول السم. فطريقة الانتحار هي بحد ذاتها تعبير عن مقدار السخط وتعبير عن مكنون الشخص ومدى خشونته. يبدأ الانتحار كفكرة من فكرة الموت ذاته ولكن بتكرار فكرة الموت والتخطيط لها ووجود تاريخ من محاولات فاشلة للانتحار هيا علامات خطر!!
وخارج نطاق ما ذكر هناك زعماء أطلقوا النار على أنفسهم او تناولوا السم عند الخسارة. كل هذا حدث. نحن أمام ظاهرة كبيرة. مرضى الاكتئاب الرئيسي محور تفكيرهم الموت وكيفيته وهو باعتباره هروب من واقعهم المأساوي، ومنهم من حاول الانتحار فليس لديهم رغبة او دافع للحياة والغريب في الأمر أنه ليس بالضرورة أنهم مروا جميعا بأحداث صادمة او حزينة تستحق هذا السخط.
وعلينا أن نعلم أن ليست جميع محاولات الانتحار هي لجلب الانتباه. من الممكن أن تكون جدية ومن الممكن ألا تكون جدية ولكن تؤدي إلى الوفاة. وليست كل حوادث السقوط والوفيات الغامضة هي انتحار لذلك هناك تدخل من الطب الشرعي واجراء التحقيقات حتى لمعرفة فيما ان أحدهم ساعد على الانتحار.
ماذا تقول الدراسات؟
الانتحار بحد ذاته علم. فإذا علمنا أن الاكتئاب الرئيسي وخصوصا غير الخاضع للعلاج عنده قابلية للانتحار. وأن غالبية المنتحرين لديهم اكتئاب رئيسي محقق شروط التشخيص. وأن مرضى الاكتئاب لديهم انخفاض في السيرتونين والدوبامين؛ سنقول بالتأكيد ان الاشخاص المنتحرين ممن لديهم اكتئاب سوف يكون لديهم نقصان في هذه الهرمونات. إلا ان المعلومة الصادمة علميا تبين عكس ذلك؛ ففي إحدى الدراسات تبين ان اولئك الذين قاموا بالانتحار ممن تم تشخيصهم من قبل أنهم مصابون بالاكتئاب الرئيسي لم يكن لديهم نقصان في هرمون سيرتونين المسؤول عن السعادة !! رب يعبد سبحان الله.
طبعا سوء التشخيص والخضوع للعلاج غير الملائم ممكن ان يؤدي للانتحار. وهناك دراسات عديدة لا مجال لذكرها. أيضا المراهقين لديهم قابلية كبيرة للانتحار. مرضى الذهان ممكن ان ينتحروا وتناول المواد المخدرة قد تؤدي للذهان ومرضى الذهان يفتقدون الاتصال مع الواقع.
الخسارة والوضع الاقتصادي والصدمات العاطفية والآلام الجسدية الشديدة تزيد من احتمال تعرض الشخص للأعراض النفسية والضغط النفسي والاكتئاب، لكن ليس بالضرورة أن يؤدي إلى الانتحار.
النصيحة: اذا أحسست ان شخص ما يفكر بالانتحار فعليك أن تنصحه ان يتوجه للطبيب النفسي بالسرعة الممكنة ومحاولة بث الأمل في حياته.
يعتبر الاكتئاب بحد ذاته اضطرابا نفسيا لكنه قد يرتبط بغالبية الأمراض العضوية والنفسية ويحد من وظيفة الإنسان المهنية والاجتماعية والنفسية والجسدية وبالتالي فقدان الدور والعجز.
لذلك نقترح على المسؤولين في وزارة الصحة مزيدا من الاهتمام في الطب النفسي والإدمان وقضايا الانتحار من خلال رفع وتيرة البرامج والندوات والمحاضرات للمختصين في مجال الصحة من غير المختصين النفسيين، مطلوب أيضا تعميم هذه البرامج على العاملين في الشأن الشبابي ولأئمة المساجد دور فعال والمعلمين وأساتذة الجامعات من أجل الحد من هذه الظاهرة. أيضا للإعلام دور كبير في الوقاية من هذه الظاهرة من خلال برامج التثقيف النفسي وتوظيف الدراما والاعمال المسرحية للحد من وصمة المرض النفسي ومراجعة الأطباء النفسيين ومختصين علم النفس العيادي.
أيضا توجيه الشباب إلى تقبل العمل وعدم الاتكال على الشهادة الجامعية ومحاربة ثقافة العيب، وحفظ حقوق العاملين، وعلى الأهل مراقبة أبنائهم من العزلة والمخدرات ومعرفة رفقائهم وإبعاد رفقاء السوء والحفاظ على التماسك الأسري. وبث مشاعر التقبل والرحمة تجاه الذات. والإيمان دائما بالقضاء والقدر خصوصا عند المصائب والشدائد.