كل أسباب الأزمة الاقتصادية التي يمر فيها بلدنا معروفة للجميع، والنقاش الذي يدور بيننا عند التقييم الصحيح لمواردنا الطبيعية، يدور حول ما إذا كانت قليلة أو أقل، و بالمقارنة مع الدول النفطية، حيث معيار الغنى هو صادرات النفط الموجود بكثرة في دول عربية، أو الصادرات الصناعية والتكنولوجية الضخمة، كما هو الحال لدى الدول الغنية على المستوى العالمي فنحن بلد متواضع الإمكانات!.
ولكن الحقيقة الساطعة هي أننا لسنا دولة فاشلة، أو فقيرة بالمعنى الذي تصنف به دول كثيرة من العالم الثالث، أو دول كانت غنية بالنفط وتحولت إلى دول فاشلة، ونحن قادرون على معالجة الأزمات والمشكلات بقدر ما نستطيع ترتيب بيتنا، ومد أرجلنا على قد اللحاق!. لنتوقف عند ما قاله جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين في مناسبات عديدة، ومؤخرا في محافظة عجلون حول ضرورة أن تأخذ الحكومة في الاعتبار مصالح الطبقتين الوسطى والفقيرة، أي ما نسبته 85% من الشعب الأردني، ذلك أن التقديرات تشير إلى أن نسبة الأغنياء هي في حدود 15%، وهذا النوع من التوجيه يتعلق حتما بأسعار السلع الأساسية، والضرائب والرسوم وغيرها، مما قد تعجز عنها الطبقتان المتوسطة والفقيرة.
نظرة على طبقة الأغنياء وهم ينتمون إلى القطاع الخاص، وغالبهم يمتلكون ويديرون مصانع ومزارع وشركات تجارة عامة وبنوك ومستشفيات وجامعات، فهؤلاء يشغلون مئات الآلاف من القوى البشرية التي تندرج في فئة الطبقة الوسطى بسبب إنتاجيتهم ورواتبهم المناسبة، وطبعا هناك نسبة من الفقراء، ولكنهم ليسوا على الأقل عاطلين عن العمل.
نسبة الطبقة الفقيرة مساوية إلى حد كبير لنسبة الطبقة الغنية، ولكن النسبة الأكبر هي شريحة الطبقة الوسطى، وهي التي تشكل الميزان الحقيقي للواقع الاقتصادي وأثره على المجتمع، من حيث مستوى المعيشة، ومتطلبات الحياة اليومية، وفي الواقع أن كل إجراء حكومي لمعالجة الأزمة الاقتصادية بناء على برنامج الإصلاح الاقتصادي ستمس مصالح الأغلبية، مهما حاولت الحكومة تخفيف تلك الإجراءات، وبالتالي فإن توجيه جلالة الملك مبني على أهمية البحث عن البدائل والحلول الإبداعية، وتنشيط وتيرة النمو الاقتصادي، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتحويل التهديدات إلى فرص، وغير ذلك كثير مما يجب أن يتحرك الجميع نحوه بالقوة والقدرات الكافية!
والسؤال الملح في هذه المرحلة هو هل بإمكاننا تبسيط المشكلة بدل تعقيد الحل، والتقدم خطوة واحدة نحو المكاشفة الشاملة من أجل أن تعيد الحكومة مراجعة بعض ما تظن أنها ثوابت لا يمكن تجاوزها، والإجابة على كثير من الأسئلة الصعبة حول بدائل الطاقة مثلا، والاستغلال الأمثل لمواردنا الطبيعية، أو المردود الحقيقي للقوى البشرية في القطاعين العام والخاص، ومدخلات ومخرجات التعليم بجميع مراحله، وغير ذلك مما ندرك أنه متجمد عند نقطة معينة وكأنه قدر محتوم؟
خيارنا الوحيد هو تجاوز الأزمة، وانفراجها في أمد قريب، من خلال إستراتيجية وطنية تساهم جميع الأطراف في صياغتها، ولا بد كذلك من ثقافة جديدة تجعل الطبقة الوسطى تعيد ترتيب طريقة حياتها وأولوياتها، تماما كما تفعل الطبقة الوسطى، حتى في الدول الغنية من ضبط للمصروفات بما يتناسب مع الإمكانات.
أما الطبقة الغنية والميسورة فعليها أن تدرك مسؤولياتها المجتمعية، وأن تساهم في حل مشاكل الفقر والبطالة، والحفاظ على الطبقة الوسطى، فهي كذلك صاحبة مصلحة لأنها الأكثر تضررا إذا تفاقمت الأزمة لا سمح الله، وفي يقيني أننا قادرون على تجاوزها، وقد أثبت التاريخ أننا كنا دائما قادرين على تجاوز الأزمات، عندما نصبح على قلب رجل واحد، وعندما ندرك القيمة الحقيقية لبلدنا، نخاف عليه ونحميه كلف ذلك ما كلف.
"الراي"
yacoub@meuco.jo