الاعتقال الاصعب و الاعتقال الحميد
د.عبدالفتاح طوقان
17-01-2017 04:39 PM
“نيابة محكمة أمن الدولة الاردنية قررت توقيف عدد من المخالفين للقانون .. و تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي الخبر وخلعت عليهم لقب “ناشطيين سياسيين “ و التي اصبحت صفة من لا صفة له. كل من كتب كلمة على الفيس بوك اصبح ناشطا سياسيا ، و كل من اعترض بسطر اصبح ناشطا سياسيا و كل من فتح فمه اصبح ناشطا سياسيا و كل من ظهر على شاشة فضائية وهو في سوق خضار اصبح ناشطا سياسيا و غيرها من التقليعات .
و حيث ان الاعلام غائب وغير شفاف و دور وزارة الثقافة الاردنية في خانة ترضية من لا وزارة له ، فقد قام العديد من المغيبين اعلاميا بنشر بيانات الشجب و الاستنكار دون معرفة الحقائق ، و اكتفى رئيس الحكومة الاردنية بالرد على استفسار من رئيس مجلس النواب حول اسباب الاعتقال بالرد :” الموضوع في يد القضاء”.
و الادهى عندما سئل احد الوزراء في الحكومة نفسها اجاب :” من هم هؤلاء الرجال “ و هذا يعني ان بعض اعضاء الحكومة غائبين عن السياسة اصلا و الاحداث اليومية فكيف بالمواطن العادي .
و تلقى الجميع معلومات خاطئة و من مصادر غير صحيحة ، فبادروا باصدار بيانات أعربوا فيها عن رفضهم وشجبهم لاعتقال لواء مخابرات متقاعد و رفاقه بمن فيهم احد النواب السابقين ، معتبرين أن الاعتقال رسالة إلى كل المتقاعدين العسكريين والناشطين الوطنيين تحد من حرية تعبيرهم.
و طبعا هذا ليس صحيحا لان ما بني على خطأ هو خطأ .. فلو كانت القضية قضية راي عام و انتقاد بناء من اعماق المجتمع و قلبه لكان الحال الدفاع عن الحريات و رفض الاعتقال الاصعب لتقييد الحريات و تكميم الافواه ، اما و ان الحالة ليست كذلك فأن الاعتقال دليل قوي على الدور الامني و الاجراءات الوقائية التي تقوم بها دائرة المخابرات لحماية الوطن و الدفاع عن امنه و شرعية الحياة السياسية النظيفة الخالية من الشوائب.
و اقصد اولا أن الحريات كفلها الدستور بصراحة و الملك يحميها و يطالب بسقف اعلى لتمكين الرأي الوطني الحر المستقل غير الموجه عن بعد ، و البعيد عن الاجندات الخارجية الملوثة ، و يشدد على عدم المساس بمن يكتب و ينتقد لاجل بناء الوطن لا هدمه بمعول الافساد للحياة السياسية ، و يتدخل الملك احيانا ضد رغبات و توجيهات روؤساء حكومات مطالبة باعتقال كاتب، او منتقد ، او صاحب رآي ، على الرغم ان بعض الحكومات تحد من الحريات دفاعا عن مصلحة الحكومة ذاتها في مواقف ذاتية لا علاقة لها بالقصر الملكي.
ما حدث من افعال و ردود افعال من اللواء المتقاعد و الدكتور محمد العتوم و رفاقه مرجعيتها الى غياب وزارة الثقافة ، و عدم وجود مناهج دراسية لتوعية الطلاب ان الاردن مملكة هاشمية لا ساحة جهوية شيعية او دولة اشتراكية او شيوعية ، و تعود الى حالة التيه السياسي و الانغماس في سراب السفارات و اجهزتها من بعض المعتقلين.
و لقد حصل بعضهم على الدكتوراه من دول عالم ثالث في التقريب بين المذاهب ، في الوقت كانت قد تجرأت في طرح المذهب الشيعي على أرضها بعد انتصار الثورة الخمينية في 1979، وما عكسته كثورة تم تصديرها لتتلقفها الحركة في دول انذاك ، ومهّدت وجود الشيعة و التشيع العلني في نهاية الثمانينيات على ارضها.
لقد كان ضابط المخابرات حينها تحت تأثير سحابة علماء السلطان علn ما يبدو ، مركزا على الاحاديث التي يؤمن بها الشيعة ، و بلا شك اهتم بقراءة و عرج على كتاب الكافي الذي يعتبر من اهم اربع مراجع في كتب الشيعة ، و يشتهر في أوساط الشيعة الإثنى عشريَّة بلقب ثقة الإسلام الكليني للشيخ محمد بن يعقوب الكليني (ت. 329 هـ). و منذ ان خرج الى التقاعد وهو مهتم بالنقد السلبي ، و محاولات الاتصال بشخصيات اعتبارية لكسب ودها و خلق تيار قوي ( في نظره هو للامور مستغلا عضويته في مؤسسة المتقاعدين العسكريين ) لرفع سقف النقد باحتراف الادعاء غير الصحيح ، و التركيز على سلبيات و تضخيمها و تفخيهما و تسويقها بين المتقاعدين العسكريين و غيرهم ، و اصبح يدور في شلة من المناكفين لهم علاقة مع سفير و بعض منهم زاروا ايران و سوريا بدون لواء المخابرات ، و لكن اعين المخابرات الاردنية و فرسانها اذانهم لم تكن غافلة ، و تستحق الثناء على ما قامت به من جهد لمحاربة دس الفتن والمؤامرات السياسية التي تروج لها دولا لخدمة مصالحها السياسية والاستراتيجية علي حساب الاردن و ترابه.
المتقاعدون العسكريون هم الاكثر حرصا علي الوطن و الحريات و هم الاكثر استبسالا في الذود عن ترابه و حمايته من الاجندات الخارجية ، و قضية الاعتقال التي حدثت لرجل المخابرات و شله معه او هو معها ، لا فرق ، هي ليست اعتقال سياسيا او قضية حريات كما يظن البعض و لا تشكل العقدة الأصعب في المعالجة القانونية ، بل هي قضية “ اعتقال حميد” لحركة تبدو انها شبه تخابرية في بعض من اجزائها و في اخرى تحريضية ضد الوطن ، تحتاج الي منشار بتر تحت مظلة القانون لكل من يتلاعب بمقدارت و مشاعر الوطن ، بحق او بغير حق ، ويعتدي على استقلاله الفكري لدس الفتن و اثارة البلبة.
الاعتقال الاصعب عندما يكون الاعتقال لصاحب رآي او قلم حر تحاول الحكومة ان تكسره و تمنعه ، و ليس في مثل تلك الحالة الحميدة التي تحمي المخابرات و القضاء معا الوطن من التشقق و الانقسام.
الحكومة الاردنية مطالبة باعادة برمجة اعلامها و ثقافتها و بث معلومات بشفافية للاحداث و مكاشفة توعوية حتي يقف المواطن معها ،و تزيل الغشاوه عن اعين ممن يدعون انهم نشطاء سياسيين و ممن زيفت لهم الحقائق فغردوا خارج السرب ، و لمن يمتهنون اللعب ضد الوطن ، و في نفس الوقت على وزارة الخارجية الاردنية تفعيل القانون الدبلوماسي كأحد مجالات القانون الدولي التي تتحكم في عمل البعثات الدبلوماسية بحيث لا تتدخل اي من الدول في الشآن الداخلي الاردني .
حلوة يا بلدي ،،حماك الله و حمي فرسان حقك.
aftoukan@hotmail.com.