ناصر جودة :عندما تتفوق حذاقة الملقي على نفوذ الوزير المقال
أ. د. انيس الخصاونة
17-01-2017 11:52 AM
لعل أبرز ردود الأفعال على التعديل الوزاري الأخير على حكومة الدكتور هاني الملقي كان موجها بشكل رئيسي لخروج أبرز دهاقنة الوزراء العابرين للحكومات وهو السيد ناصر جودة وزير الخارجية الأردني منذ عام 2009، والذي بقي حافظا لمقعده الوزاري عبر سبع حكومات. على الصعيد الدبلوماسي والمهني فالوزير جودة بالتأكيد أنه اكتسب مهارات وخبرات كثيرة عبر مشواره الطويل في إشغال ذات المقعد في وزارة الخارجية ولكن ذلك ينبغي ألا يدفعنا للاعتقاد بأن الرجل كان ناجحا في عمله فهذا يحتاج إلى لجان موضوعية لتقييم ومراجعة أدائه وإنجازاته، إن كان له إنجازات حقيقية.
باعتقادنا أن مصدر قوة الوزير جودة لم يكن يوما نابعا من أدائه بقدر ما هو مستند لصلاته بالديوان الملكي، السيد ناصر جودة لم يكن ربما اختيار شخصي لأي رئيس حكومة بقدر ما كان رغبة للديوان الملكي. ولعلنا في هذا السياق نقول بأن شعور الوزير السابق ناصر جودة بأن اختياره وزيرا للخارجية هو قرار للملك وليس لغيره قد سبب له كثيرا من الشعور بالتفوق على زملائه الوزراء ، لا بل وعلى رئيس الوزراء نفسه، حيث أننا نعلم ما نعلمه من مشاحنات سادت بينه وبين جميع رؤساء الحكومات السابقين الذين لم يشعروا يوما بأنهم يمارسون دورا رئاسيا على الوزير ناصر الذي لم يخفِ أن رئيسه الملك فقط ....
الوزير جودة لم يخضع تعيينه وبقاؤه في الوزارة لرغبات رئيس الحكومة ، وعليه فقد شعر الرجل بقوة غير عادية دفعته لتجاوز رؤساء الحكومات لا بل فقد قام جودة في عهد رئيس الحكومة السابق عون الخصاونة بالتعرض بالنقد لرئيس حكومته من على شاشة الجزيرة، وهنا يبرز السؤال المنطقي هل كان لجودة أن ينتقد رئيس الحكومة لو شعر بأن الرئيس هو الذي اختاره وعينه؟ وهل هو يجوز من باب أخلاقيات المهنة وأدبيات العمل العام أن ينتقد الوزير رئيس حكومته من على شاشات التلفزة؟ نعم الوزير جودة شعر بكثير من القوة ، وربما الغرور، أحيانا نتيجة لهذه العلاقة من الديوان الملكي ونتيجة لشعوره بأن أمره وقوته لا تستمد من رئيس الحكومة وإنما من الديوان نفسه، وعليه فقد أدلى ببعض التصريحات وقام ببعض الممارسات التي دلت على هذا الشعور بالنفوذ ومنها ما صرح به ذات مرة أمام وزير من دول الاتحاد السوفيتي المنحلة بأنه حريص على تنمية العلاقات مع تلك الدولة ، وأنه سيتابع هذه العلاقات بعد خمسة سنوات من خلال مركزه كوزير للخارجية وكأنه ضامن لبقائه للسنوات الخمس القادمة في الوقت الذي لا يستطيع فيه جون كيري أو وزير خارجية أعظم الديمقراطيات في العالم أن يضمن بقاءه لأيام.
لم يستطع أي من رؤساء الحكومات السابقين استثناء جودة من تشكيلتهم الوزارية رغم عدم ارتياحهم له ولنفوذه وميله لتجاوز أي رئيس حكومة ، ولكن احترام الرغبات الملكية والانصياع لها مكن السيد جودة من هذه المدة القياسية في وزارة الخارجية. نعم فقد مارس بعض السلوكيات غير العادلة، واتخذ قرارات غير منصفة ، ومنح حقوقا بغير وجه حق، ومنع حقوقا بغير وجه حق، وقرب من قرب إليه وأبعد من أبعد، وتأثرت قراراته بتعيين ونقل السفراء بأبعاد شخصية و واسطات وتداخلات أو صلات فردية في حين حرم آخرين ممن هم أحق من هؤلاء.
الدكتور هاني الملقي استطاع بدهاء وذكاء كثير أن يزعزع التصاق السيد جودة بوزارة الخارجية دون خوض معارك أو النيل من علاقة جودة بالديوان .لقد استطاع الرئيس الملقي أن يقنع الديوان وأولي الأمر بأن المرحلة تتطلب ذلك، وأن الوزير جودة في سفر دائم، وأنه نادرا ما يحضر مجلس الوزراء، ومن هنا استطاع تعيين وزير دولة للشؤون الخارجية وهنا يكمن الذكاء فبقي جودة بمكانه ولكن بوجود وزير آخر ولم يمض إلا شهرا واحد حتى تم نقل (22) من صلاحيات جودة الرئيسية إلى الوزير الخصاونة وهذه كانت أولى خطوات جودة نحو خارج الوزارة وهذا ما حدث فعلا.
لم ولن يندم الأردنيون كثيرا على مغادرة ناصر جودة لوزارة الخارجية، ولكنهم سيتذكرون فترة خدمته بتساؤلات غير مجابة عن مصدر قوة الرجل، وفيما إذا كانت تكمن في قدراته التي لا نقلل منها أم في صلاته وشبكة علاقاته مع أهل الحل والعقد. لم يكن جودة لغزا ولكنه كان محيرا في ممارساته، وقراراته، واستعلائه على زملائه في الوزارة وعدم إنصافهم، وسطوته في قيادة دفة وزارة سيادية مثل وزارة الخارجية. وسواء أن إقالة الوزير السابق ناصر جودة هي استراحة محارب ينتظر وزارة أو مركزا آخر أم طي لملف، فإن خروجه كان حدثا مهما للأردنيين الذين اشتاقوا لرؤية وجه جديد في هذه الوزارة. ومع أن الرئيس هاني الملقي يواجه تحديات ويتخذ قرارات اقتصادية وأمنية تفتقر للتأييد الشعبي والبرلماني فإن قدرة الملقي على إخراج الوزير جودة من الحكومة ينبغي أن يشار إليها ويعترف بها، فشكرا للملقي.