مزيد من الانسجام والتوافق ايضا .. !
حسين الرواشدة
17-01-2017 12:52 AM
من اكثر المصطلحات التي تكررت في الاسابيع الماضية عبارة “ غياب التنسيق “ , التكرار جاء في سياق “ النقد “ الذاتي لادائنا العام , وقد اشار اليه جلالة الملك في اكثر من مناسبة , لدرجة ان معظم ما جرى من تغييرات او مراجعات كان صدى لغياب التنسيق من جهة وغياب الانسجام من جهة اخرى .
بعد عملية الكرك الارهابية اكتشفنا ان مستوى التنسيق بين بعض مؤسساتنا في ادنى درجاته , وبعد اول مواجهة بين الحكومة والبرلمان على هامش مناقشة بيان الثقة اكتشفنا ايضا ان لواقط الارسال والاستقبال بين السلطتين شبه مسدودة ، وفي واقعة طلب الحكومة تأجيل مناقشة تذكرة حجب الثقة عن وزير الداخلية الاسبق , اكتشفنا ان غياب الانسجام بين اعضاء الحكومة ظهر للمرة الاولى على الملأ امام الكاميرات ولم يعد سرا يمكن السكوت عليه .
لمواجهة المشكلة تحركت الدولة على الفور , فقد اجتمع الملك باعضاء المكتب الدائم لمجلسي النواب والاعيان , كما جرى تغيير قيادة الامن العام , وبعدها جاء التعديل على الحكومة , ومن المتوقع ان نشهد سلسلة من التغييرات القادمة , وكلها تصب في سياق اعادة ترسيم العلاقة بين المؤسسات والسلطات , لضمان اعلى حد من التنسيق والانسجام , سواء داخل الاطار المؤسسي الواحد , او فيما يتعلق بالمهمات المشتركة بينها .
حين ندقق في مشهدنا العام على مدى الشهور المنصرفة نجد ان معظم الازمات التي واجهتنا كان وراءها عاملان اساسيان , احدهما يتعلق بتراجع مستويات التنسيق والتفاهم وتقاسم الادوار بين المؤسسات مما افرز حالة من الاشتباك الصامت والانعزالية في الحرة والاداء والانجاز , والاخر يتعلق بتراجع درجة الثقة بين الدولة والمجتمع من جهة وبين المجتمع والنخب التي تمثله من جهة اخرى , الامر الذي ادى الى انقطاع الاتصال بين الناس ومؤسساتهم ، ومع غياب الاتصال والحوار تولدت ازمات كان يمكن مواجهتها بقليل من المكاشفة ، كما تولدت حالة من اليأس والخوف لدى المجتمع جراء التعامل معه بمنطق الاستهانة والاستعلاء وعدم الاهتمام من قبل بعض المسؤولين .
بالاضافة الى استعادة الانسجام والتنسيق بين المؤسسات , سواء فيما يتعلق بادائها الداخلي او بعلاقتها مع بعضها , نحتاج الى اعادة التنسيق والانسجام والتوافق بين هذه المؤسسات الوطنية وبين المجتمع , لا اتحدث هنا عن المجتمع في سياق حزبي او نقابي او حتى مؤسساتي فقط ، وانما في سياق اوسع يشمل الوصول الى الناس والاستماع اليهم مباشرة , وهذه مهمة “ ميدانية “ تستوجب استنفاركافة المسؤولين والنخب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للقيام بدورهم “ الوطني “ , ومواجهة اسئلة الناس وهمومهم وقضاياهم باجابات مقنعة , كما تستوجب اطلاق حركة “ السياسة “ لتطمين الناس على حقوقهم وحرياتهم وتجنب استفزازهم بمقررات غير مدروسة او اجراءات مفاجئة .
نحن مقبلون على تحولات سياسية لها استحقاقاتها، سواء على صعيد الداخل وما يتعلق به من “ازمات” اقتصادية ومقررات مُرّة، أو من “صراعات” وانقسامات في مناطق النفوذ وخارجها، وعلى صعيد الخارج بما يحفل به الاقليم من “نذر” حرب قائمة واخرى قادمة، ومن اشتباكات طائفية ومذهبية، ومن ترتيبات وخرائط جديدة يُعاد رسمها، وبالتالي فان “الفاتورة” التي سندفعها ستكون باهظة، وهي تحتاج الى “جبهة” داخلية متماسكة ومؤمنة بما يستحق علينا وجاهزة لكي تدفعه.. واعتقد ان حالة مجتمعنا ليست كذلك؛ ما يعني أننا سنواجه “لحظات” صعبة يفترض ان نستبقها بعمل “جبّار” وجهود جدّية، تستهدف أول ما تستهدف تغيير المعادلات السياسية القائمة نحو معادلات صحيحة وصلبة تقنع الناس بأن مرحلة جديدة قد بدأت حقاً. هل ستبدأ حقا ..؟ لا ادري.
بقي لدي رجاء للمسؤولين في بلادنا وهو ان نتعلم من تجارب غيرنا ومن مآلاتهم، لكي نستدرك ما قد يفاجئنا من احداث بحلول مقنعة : رجاء دعونا ننقذ بلدنا من هذا المجهول، دعونا نخرج من منطق الاستعلاء والاستهانة في التعامل مع الناس وقضاياهم ونجرب منطق “الفهم” والاستجابة.. دعونا نفتح الابواب المشروعة امام الناس ونخفف معاناتهم ونطمئنهم على مستقبلهم ونعيد اليهم الثقة بانفسهم وبلدهم ، لكي لا ندفعهم الى الدخول من ابواب غير مشروعة ومزدحمة بالالغام ايضا.
الدستور