خيرا فعل دولة الرئيس عندما حلحل تعقيدات مجلس الوزراء ومنح لنفسه متسع من التنفس الحر بعيدا عن حالة الاختناق التي سببتها مراكز القوى في المجلس وحالة الاستقواء التي بدت من بعض اعضاء المجلس .
خطوة ذكية فعلها الرئيس عندما طلب تأجيل التصويت على الثقة بوزير الداخلية السابق. ادراك الرئيس ان النتيجة وان كانت ستصب لمصلحة وزير الداخلية الا انها ستحدث شرخا بين النواب وبنفس الوقت ستعزز حالة التحدي بين عدد كبير من النواب والحكومة وعلى غرار ما جرى بالحكومة السابقة خاصة وان من مصلحة الحكومة الحالية التعاون والتراضي مع المجلس وبناء علاقة قوية تتناسب مع المرحلة القادمة باعتبارها مرحلة صعبة وبقرارات اصعب لا تستطيع الحكومة القيام بها دون دعم ومباركة من المجلس ، لهذا فان تأجيل التصويت كان ضربة معلم حمى بها الرئيس حكومته من نقمة النواب وتحديهم وبنفس الوقت معالجة ملف خلق واقع متوتر بين اوساط النخب والصالونات والقوى السياسية المختلفة . .
ما دار بذهن الرئيس هي تصفية الاجواء وتهيئة المناخات الطيبة بين الحكومة والنواب وان الرئيس فكر بالنواب كثيرا واحترم ارادتهم وتوجههم وبنفس الوقت احترم راي الناس فكان لا بد له من طي صفحات الخلاف في ملف وزير الداخلية وملف التربية اضافة للتأكيد على احترام النواب حيث ضحى بصديقه ورفيق عمله في العقبة الوزير ارشيدات ليعطي الانطباع الاكبر في ان النائب هو المقدم بغض النظر عن العلاقة التي تربط الرئيس بوزرائه، كما اكد الرئيس استجابته لإشارات النواب حول ضعف اداء عدد من الوزراء وازدحام وجودهم وتضارب صلاحياتهم، فإلغاء عدد من الوزارات والاستغناء عن نواب الرئيس والاكتفاء بممدوح العبادي المعروف بحنكته وخبرته الحكومية والادارية والسياسية والبرلمانية اضافة لطبيعته الدمثة المستحبة الجاذبة وغير المنفرة للنواب، القريب من الاحزاب والنقابات والمواطن يعطي الرئيس علامة ممتاز على اختياره باعتبار العبادي الاسفنجة التي سوف تمتص كل التوترات التي من الممكن ان تحصل وبنفس الوقت التوفيق بين تحديات الحكومة ومطالب النواب.
اما الجدل المثار حول وزير الخارجية فنحن جميعا يعي عدم انسجامه مع الرئيس وتوقع الناس والاوساط ومنذ بداية التشكيل محاولات عديده للرئيس لإزاحة هذا الحمل الثقيل على الصدر، لكن الظروف السياسية وطبيعة الاحداث كانت تتطلب المتابعة وبملفات كان جودة يتابعها ويدرك مفاصلها ، غير ان الوضع الان تغير واصبحت العملية السورية والعراقية بمثابة الكتاب المفتوح فجاءت الفرصة التي هي بأمس الحاجة الى تغييرها وضخ دماء جديدة تتماشى مع المرحلة القادمة وهذا حق لرئيس الحكومة ان يرى اعضاء فريقه متساوين منسجمين بما يحقق الاهداف والاستراتيجية الموضوعة وعدم قبول من يغردون خارج السرب او يبدون ولاء لغير اجندة الرئيس التي هي اجندة الوطن وخطة تنفيذ كتاب التكليف السامي .
لهذا التعديل فتح الرئيس صفحة جديده في ملف المناهج بحيث أنهى التوتر الحاصل وهيأ المناخات الايجابية لبحث الموضوع بكل ايجابية، فسوء ادارة هذا الملف وضعت الوزارة نفسها كخصم بدل ان تكون المرجعية والام التي تحرص على مصلحة قطاع التربية وتحتضن الجميع من نقابات واراء وخبراء واعلام وتيارات ونواب وغيرها. وتقدم نهاية المطاف ما هو خير صالح الوطن بطلابه واساتذته وقيمه وفكرة وثقافته ونقاباته وفئاته واحزابه. ولا اظن ان الدكتور الرزار بليبراليته سيكون بعيدا عن هذا الهدف وتلك المنهجية واعتقد انه مؤهل لذلك بخبرته وتجاربه وعلمه.
ان الابقاء على وزير شؤون الاعلام ووزير الاوقاف ووزير العمل والمياه والتعليم العالي والطاقة والاشغال والبلديات والصحة وغيرها من وزارات الخدمات انما جاء لثقة الرئيس بقدرة هؤلاء الوزراء على العطاء وتمكنهم من اقناع النواب بأدائهم خاصة وانهم الاكثر احتكاكا بالنواب والتفاعل مع المجتمعات الاردنية وابناء الشعب، وهم الاكثر مواجهة لمطالب الناس اليومية وهذا يؤكد استمرار سياسات هذه الوزارات ومنهجيتها خاصة وأنها تنفذ خططا ومشاريع هامة لا بد من استكمالها.
ان كينونة مجلس الوزراء الحالي سيشهد المزيد المزيد من التجانس والتناغم خاصة بعد التخلص من منصب نائب الرئيس ووجود فريق يتصرف على طبيعته وينظر بواقعية الى الامور وهذا يحمل الرئيس والمجلس نفسه مسؤولية أكبر تجاه معالجة الملفات او البدء بمعالجتها على اسس تقنع الناس وبالتالي النواب وتبدأ ببناء خطوة للأمام. ولا شك ان معظم الملفات بحاجة الى اصلاح وتطوير والنظر اليها في ضوء ما تم، نبدأها بالإعلام ونمررها ا بالطاقة والاشغال، فتوسيع قاعدة الشراكة بين الحكومة والاعلام والاعلاميين والتواصل الدائم مع القاعدة الشعبية والتي نجح بها وزير الاعلام هدف لا بد وان تركز عليه الحكومة بحيث تحدد مرجعيات ادواتها وتبين سيناريوهاتها وبشكل جلي وتضع البرامج التي تنهض بدور هذه الادوات.
الحكومة الان امام استحقاق مناقشة الموازنة ولا بد من الخروج بها بشكل يرضي الناس ويقنعهم ان الحكومة معهم لا ضدهم رغم الضغوطات والتحديات، ولكنها لا بد من طرح البدائل التي تستطيع السير بها على الدوام.
الناس والنواب والاعلام والجميع يرمق الحكومة ماذا ستفعل بعد هذه الثورة التعديلية للمجلس، فهل سيكون هناك امل ام ستعود حليمة لعادتها القديمة.