تحليل الرسالة الملكية إلى مدير الأمن العام اللواء الفقيه
16-01-2017 12:36 PM
- كتب المحلل الأمني العقيد المتقاعد د. بشير الدعجة
- الشعارات والسياسات غير المدروسة او المخطط لها لبعض مسؤولي الامن العام اضعفت رجل الامن العام وحدت من صلاحياته وواجباته ونالت من معنوياته
1- اعادة بناء الصورة الذهنية الايجابية لرجل الامن العام من اولويات الباشا الفقيه.
2- تعاون المواطن مع رجل الامن العام ضرورة امنية ملحة تقتضيها ظروف المرحلة.
3- مدير الامن العام مطالب بالارتقاء بالفكر الامني لرجل الامن العام لبناء علاقة تكاملية مع المواطن.
4- العلاقة بين رجل الامن العام والمواطن يشوبها التوتر وعدم الثقة.
عمون- اشتملت الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك عبد الله الثاني الى مدير الامن العام اللواء الركن احمد سرحان الفقيه بمناسبة تسلمه مهام مدير الامن العام على عدة محاور كان ابرزها ان جهاز الامن العام هو خط الدفاع الاول عن المواطن ويحمل رسالة امنية سامية قائمة على مبادئ سيادة القانون والمساواة والعدالة والكرامة وحماية الحقوق وصون الحريات.
كما اكدت الرسالة الملكية على الاحترام المتبادل بين رجل الامن العام والمواطن وتأدية واجباته ومهامه باحتراف ومهنية ... كما تناولت محور التدريب وأهميته لرجال الأمن العام لرفع قدراتهم وصقل مهاراتهم للقيام بواجباتهم على اكمل وجه ... كما لفت جلالة الملك الى محور هام جدا وهو التنسيق بين جميع أركان المنظومة الأمنية لضمان نجاح العمليات الأمنية ... واخيرا أشارت الرسالة الامنية الى الاستراتيجيات والخطط الامنية لمكافحة الجريمة والحد من انتشارها.
- سأتناول تحليل الرسالة الملكية على (عدة حلقات ) محللا ابرز محاورها التي يشكل كل محور منها استراتيجية امنية عصرية بذاتها يستطيع مدير الامن العام اللواء الفقيه وطاقمه الجديد الذي حتما سيستعين به قريبا بناء استراتيجيات امنية على ضوئها محققا بذلك الرؤى الملكية للنهوض من جديد بجهاز الامن العام الذي تراجع مستوى اداءه في السنوات الاخيرة حسب مؤشرات الاداء بشكل ملحوظ وشعر بذلك كافة المواطنين واصبح من قضايا الرأي العام التي يتناولها الشارع الاردني في مجالسه يوميا ... نتيجة لسياسات متخبطة وقرارات غير مدروسة وفقر فكري امني لبعض مدراء السابقين معتمدين على مهاراتهم الشرطية التي تقادمت وعفا عليها الزمن اضافة الى التشبث بنظريات شرطية قديمة انتهى مفعولها منذ عقود مضت ... ناهيك عن عدم مقدرتهم الارتقاء بفكرهم الامني والخروج من الصندوق لقراءة المرحلة الامنية وما يدور في الاقليم الجغرافي الملتهب حولنا بتعمق لوضع الاستراتيجيات والخطط الامنية الكفيلة والقادرة على مواجهة ذلك وادارة المخاطر والازمات بأساليب امنية عصرية وبجهوزية عالية تجنب الوطن والمواطن خطر الآفات الجرمية سواء القديمة او المستحدث منها.
- ان المحور الاول الذي سأحلله واشارت اليه الرسالة وهو محور سيادة القانون والعدل والمساواة وحفظ الحقوق وصون الحريات وكذلك ترسيخ مبدأ الاحترام المتبادل بين رجل الامن العام والمواطن وهذا ما اكد عليه جلالة الملك في ورقته النقاشية الثالثة .
- وبصفتي مراقب ورجل امني سابق ارى ان هناك فجوة عميقة اصبحت تتجذر شيئا فشيئا بين بعض رجال الامن العام وبعض المواطنين واصبح هنالك حالة من عدم الثقة والتوتر ترتقي الى الكره والحقد المتبادل بين الطرفين مما شوهه الصورة الذهنية لكل طرف عند الاخر .. في وقت نحن بأمس الحاجة الى التعاضد والتكاتف والتلاحم فيما بينهما لمواجهة الجريمة بأنواعها خاصة في هذه المرحلة الزمنية الحرجة. - ومن وجهة نظري كمراقب ومحلل امني اعزي سبب ذلك الى عدة عوامل ...ابرزها اضعاف دور الامن العام والانتقاص من هيبته من قبل بعض مسؤولي الامن العام لعدم فهمهم المتعمق لمبدأ (احترام المواطن) وهضمه والاتزان في تطبيقه بين طرفي المعادلة الامنية و وعدم تثقيف رجال الامن العام بهذا المبدأ مبين مالهم وما عليهم عند التطبيق... فأصبحوا يصدرون التعليمات والاوامر بصورة متتابعة ومكثفة حول ذلك ومطالبة رجل الامن العام بتطبيقها مهددين بإنزال اشد العقاب الذي يصل الى الطرد من الخدمة الشرطية ان خالف احدهم ذلك .. الامر الذي ترتب عليه خوف بعض رجال الامن الى حد يصل الى الجبن من تطبيق القوانين والانظمة على المواطنين تحاشيا من العقوبة المنتظرة التي تصل الى درجة الطرد من الخدمة ولفظهم الى الشارع.. هذه السياسات العقيمة غير المدروسة اضعفت دور رجل الامن العام وحدت من واجباته فضعفت هيبته شيئا فشيئا حتى وصلت الامور الى تعرضهم للإيذاء الجسدي والمعنوي امام مرأى الجميع. فانكمش بعض رجال الامن العام وهم الاغلبية من القيام بواجباتهم الى الحدود الدنيا ان لم يكن اقل من ذلك لحماية انفسهم من العقاب المنتظر... ولتذهب رسالة الامن العام وواجباته المنوطة بهم الى الجحيم ... الامر الذي ترتب عليه شعور بعض المواطن ان بعض رجال الامن العام لا يقوم بالواجبات الامنية الموكلة اليهم بكل اخلاص وتفاني.
- ونتيجة لهذه الاسباب ..اصبحت نظرة بعض المواطنين لهم نظرة يشوبها قلة الاحترام وعدم الثقة وتعدى ذلك الى التطاول على هيبة رجل الامن العام... مما شوهه الصورة الذهنية لكلا الطرفين عند الاخر.
- كما ساهم بعض رجال الامن العام بتشويه صورتهم من خلال التصرفات و السلوكيات السلبية التي يقع فيها كاللامبالاة واللامسؤولية و بعض الاخلاقيات و الممارسات السيئة التي تحط من كرامة بعضهم اضافة الى التعسف باستخدام الصلاحيات و السلطات الموكولة اليهم اثناء القيام بواجباتهم.
- ان من السلبيات التي أدت الى التباعد في العلاقة بين بعض المواطنين و رجال الامن العام هي ممارسات سلبية يرتكبها بعض رجال الامن العام عند التعامل مع المواطنين على سبيل المثال لا الحصر ... اصبح المواطن يتردد الف مرة في كثير من الحالات عند مراجعة مركز امني او دائرة شرطية بسبب سلوكيات و اخلاقيات بعض رجال الامن العام في تعامل مع المواطنين و عدم احترامهم لا بل ان البعض منهم ينظر نظرة استعلائية و فوقية ظنا منهم بأنهم (مواطن سوبر فوق العادة) وبقية الناس ادنى منهم درجة.... أضافة الى ذلك المزاجية و النفسية غير سليمة و الجهل بالواجبات و عدم الاهتمام بشكوى المواطن و مظلمته او تمييعها مما يدفع المواطن الى الحقد و الكراهية لكافة منتسبو جهاز الامن العام و يشعر ايضا ان بعض رجال الامن العام يكيلوا بمكيالين ولا يقفوا على مسافة واحدة مع المواطنين لأسباب نعرفها جميعا و منها درجات القربى و العشيرة و الجهوية و المصلحة الخاصة و قد تصل احيانا الى الاقليمية مما يتولد شعور عدم العدل والمساوة وعدم حفظ الحقوق وصونها ..فيدفع ذلك بعض المواطنين للبحث عن واسطة لتسير و تعجيل اجراءات شكواهم او مظلمتهم او حاجاتهم لدى دوائر الامن العام قد تصل احيانا قيامهم بأساليب و سلوكيات غير مشروعة لتحقيق ذلك... اي اصبح بعض المواطنين يبحث عن الواسطة و قبل مراجعة بعض دوائر الامن العام وما يترتب على ذلك من ارتكاب مخالفات غير مشروعة .... و الشاهد في ذلك القضايا المنظورة في القضاء الشرطي و دوائر الادعاء العام في وحدات الشرطة المختلفة .
- ان بعض الشعارات والسياسات غير المدروسة او المخطط لها التي اطلقها بعض مسؤولي الامن العام (لغاية في نفس يعقوب ) والتي تهدف الى تحقيق نصرا معنوي لهم على حساب رجال الامن العام وواجباتهم الشرطية ... أدت الى انخفاض نشاطهم و وتثبيط عزائمهم الى درجة الاحباط ... مما نتج عنه اضعافهم امام المواطنين و تسبب بخلل في معادلة الاحترام المتبادل بين رجل الامن و المواطن... حيث تنازل بعض رجال الامن العام عن كثير من واجباتهم الامنية او التلكؤ و التغاضي عن القيام بها هروبا من عقوبة او جزاء لعدم التطبيق و الامتثال لهذه الشعارات التي استغلها اصحاب السلوك السيء و ارباب السوابق و البلطجية و المجرمين ... وكان من الاجدر بهؤلاء المسؤولين عدم تبني مثل هذه الشعارات التي أضعفت رجال الامن العام ... علما بأن واجبات ومهام الامن العام واضحة كوضوح الشمس ولا تحتاج لمثل هذه الشعارات التي تخدم المصالح الشخصية لمطلقيها .
- ان جلالة الملك برسالته الى مدير الامن العام الجديد أوجد العلاج المتمثل بإعادة العلاقة بين رجل الامن و المواطن الى طبيعتها على اساس الاحترام المتبادل وفق الشرعية و سيادة القانون لتحقيق العدل و المساواة مما يؤدي الى الحفاظ على الحقوق و صون الحريات .
- اذا على مدير الامن العام الواء الركن الفقيه أعادة النظر ببعض التعليمات و الأوامر والشعارات الرنانة والسياسات الصادرة عن مديرية الامن العام التي تحكم العلاقة بين الطرفين و دراستها بشكل مترو و متعمق دون تسرع و بناء على ذلك يصدر اوامره لصياغة استراتيجية عصرية واضحة تنبثق عنها خطط كفيلة بتحقيق الرؤية الملكية بما يخص هذه العلاقة بحيث لا يتغول اي طرف على الاخر وتكون الشرعية و سيادة القانون هي الحكم و الفيصل بينهما ....و هذه يتطلب جهد كبير من مدير الامن العام و طاقمه لإرساء و ترسيخ هذه الثقافة القديمة الجديدة لدى طرفي المعادلة و معالجة الفجوة أو الهوة الموجودة و العمل على ردمها تماما و ذلك باتجاهين .... اولهما أعادة بناء الصورة الذهنية الايجابية لرجل الامن العام التي تشوهت في السنوات الماضية وذلك بالقضاء على اسباب التشويه سواء كانت من رجل الامن العام او المواطن او كليهما.... و ثانيهما الارتقاء بالفكر الامني لرجل الامن العام لتطبيق القوانين و الانظمة على كافة المواطنين وفق الشرعية و العدالة و المساواة و سيادة القانون مع التمييز في التعامل بين المواطن السوي الصالح المنضبط قانونيا وبين المواطن غير السوي ذو الأسبقيات و المجرمين و البلطجية فلا هوادة او رحمة في التعامل معهم .
- ايضا على مدير الامن العام ان يرتقي بعلاقة الاحترام المتبادل بين رجل الامن و المواطن و خلال فترة قصيرة الى اعلى درجاتها المتمثلة بإقامة علاقة تعاون بين الطرفين و خاصة المواطن التي تقع عليه مسؤولية أمنية كونه احد طرفي العملية الامنية بل هو المستفيد الاكبر من هذه التعاون للحفاظ على امنه و استقراره و صون كرامته وممتلكاته.
- ان المرحلة الحالية تتطلب مثل هذا التعاون الأمني و على مديرية الامن العام السعي و بكل امكانيتها لتحقيق رؤية جلالة الملك بأن رجال الامن العام هم خط الدفاع الاول عن المواطن من خلال العلاقة الطيبة وتكاتف الجميع ووقوفهم صفا وفي خندق واحد للدفاع عن الجبهة الداخلية وتمكينها امام التحديات ومنها الارهاب واسبابه وعوامله.
- وعلى مدير الامن العام أيضا و طاقمه الجديد المتوقع .....تقع مسؤولية إعادة تثقيف رجال الامن العام بالقوانين و الانظمة الحاكمة للعلاقة مع المواطن و التي كفلها الدستور والتشريعات المرعية .... وكذلك الاقتراب من المواطن أكثر واشعاره بأهميته في العملية الامنية وذلك من خلال خطط مدروسة وأساليب حضارية عصرية يعرفها جيدا العاملون في مديرية الامن العام ...اذكر منها تفعيل الاعلام الامني وكذلك دور الشرطة المجتمعية اضافة الى اعادة النظر بالمجالس المحلية الامنية في المراكز الامنية .... واقترح تعيين عدد من ضباط الامن العام المتقاعدين ذوي الكفاءة والخبرات الامنية المتراكمة في كافة الوحدات الشرطية التي لها تماس مباشر مع المواطنين ليكونوا ضباط ارتباط وتنسيق بين الطرفين للعمل على تحسين العلاقة وتقوية أواصر المحبة والتعاون والتلاحم .... هناك الكثير لتحليله حول هذه المحاور لا يتسع المقام لذكرها...... وللحديث بقية.
العقيد المتقاعد الدكتور بشير الدعجة الناطق الاعلامي السابق لمديرية الأمن العام