قد يعمل المواطن في المجتمعات الباترياركية التي تحرم الانسان من بلوغ سن الرشد التاريخي والوطني عشرين ساعة في اليوم ويتصبب عرقه على مدار الساعة ، لكنه في الحقيقة عاطل عن العمل بالمعنى غير العضوي، وبمقياس الشريك لا التابع، وهذا النمط من البطالة الذهنية والسياسية غالبا ما يكون من افراز مجتمعات لم تقطع المسافة الوعرة والصعبة بين الرعايا والمواطنين وتعيش ما قبل الدولة بمفهومها المعاصر .
فالمواطنة ليست مفردة فوسفورية تخطف الابصار، او حجرا كريما في جدار من الطين والتبن، انها منجز حضاري وتاريخي بامتياز، وفي الغرب شهدت المواطنة تطورا منذ الماغناكارتا حتى العقد الاجتماعي وكان لذلك التطور محدّدات وعوامل في مقدمتها انماط الانتاج، وما حققه الغرب من حريات لم يكن هبة من التاريخ او الاباطرة، وحين ترد كلمة الرغيف في الحراكات العربية كأقنوم ثالث للتغيير غالبا ما يُساء فهمه، وكأن الانسان يعيش بالخبز وحده، والحقيقة انه يأكل ليعيش ولا يعيش ليأكل، وهذا هوالفارق الحاسم والجوهري بين الضرورة والحرية وبالتالي بين اشباع الغرائز وتحقيق الذات !
واحيانا يعج واقع ما بالحراكات والاحزاب والسجالات التي لا تنقطع حول السياسة وشجونها لكنه في حقيقة الامر يعاني من بطالة سياسية وحالة من الاستنقاع، لأن حرية التعبير حتى لو توفرت ليست سوى مبتدأ الجملة السياسية، اما خبرها فهو الاستحقاق بكل ما يعنيه من معادلات يكون فيها الفرد فاعلا وليس منفعلا ان مفعولا به او حتى مفعولا لأجله !
واذكر ان كاتبا فرنسيا علق على منع الرقابة السوفيتية قبل سقوط الاتحاد لمسرحية بعنوان الخراتيت ليوجين يونسكو قائلا ان الحرية ليست هدفا بذاتها ولا يكافح البشر من اجل اقتنائها كشيء نادر وثمين، والاهم هو استعمالها والبحث عن مجالات حيوية لهذا الاستعمال، فالحرية تتغذى من نقصانها، كالديموقراطية، والوصفة النموذجية لحلّ أزماتها هو المزيد منها وليس قضمها !!
الدستور