الفكر المتطرف بين الثورة الفرنسية والثورة الشيوعية
د. باسم دحادحه
15-01-2017 10:08 PM
إن من المهم تقدير الأفكار التي انبثقت عن الثورة الفرنسية باعتبارها ثورة غير شيطانية، لأنها ركزت على راحة الإنسان وحريته والنظرة الإيجابية نحو مجتمع أفضل، ومن جهة أخرى نجد أن ثورة هتلر وستالين ركزتا وبشكل أصيل ورغبة جامحة نحو مجتمع أفضل ومساواة إلا أنها قد بدأت بأفكار مثالية جدا وكان من الصعب تحقيقها. إن التطرف في العصر الحديث وخصوصا المتعلق بالمنظمات السياسية المتطرفة هو مشترك مع الأفكار العقلية المثالية والصعبة المنال.
إن الأشخاص الذين يقومون بأعمال إرهابية وإجرامية هم بالأصل يحملون صفات واستعدادات إجرامية وشيطانية، ولم يكن بمقدورهم تحمل عدم المساواة وغياب العدل والظلم في هذا العالم. وبالقابل فإن عدم القدرة على التحمل تعكس وللأسف أشكالا أخرى من الأفكار اللاعقلانية المرتبطة بالوجوبيات والتي تقود بالنهاية إلى التعصب والتحيز بسبب الإحباط من عدم تحقيق مطالبهم. فالتعصب والإحباطات المرافقة له تنتج بسبب تلك الأفكار الوجوبية، والتي تعني انه لا بد من تغيير العالم، وهذه الأفكار هي مضمون وأساس العديد من الايدولوجيات والمواقف التي يتبناها المتطرفون حول العالم، وبالنهاية فهي أفكار مرتبطة بالتعصب، فكما هو معلوم في العيادات النفسية أن مشكلات الغضب والتعصب والظلم وعدم العدالة مرتبطة بلوم الآخرين وأنها تحاول أن تركز على مبدأ الحقوق الإنسانية والعدالة وربما الثأر والانتقام.
إن بعض أنواع أفكار التعصب والإحباط مثل التعصب لعدم العدالة، ورفع الظلم تجعلنا أحيانا منخرطين لتحقيق أهداف ذات فكر هدام، ولا يأخذ بعين الاعتبار أن هذا الفكر ربما تكون نتائجه تدمير أنفسنا وغيرنا، فيما نجد أن بعض الأفكار الأخرى تعزز سلوك تجنب المهام والمواقف غير المريحة، وبالتالي فإن التعصب بسبب عدم الراحة، سوف يدفعنا للبحث وبشكل سريع وسهل عن طرق لنتجنب الصراعات الصعبة وغير المحددة، وبسبب مشاعر الضغط النفسي تبرز النزعة نحو تشكيل أفكار التعصب.
ومن جهة أخرى فإن مشكلات التطرف الفكري مرتبطة بمشكلات تقدير الذات، وقيمتها ومدى النجاح في تحقيق الاستحسان والقبول من قبل الآخرين؛ وبالطريقة نفسها فإنه ربما نقدر الآخرين ونرى قيّمهم وفقا للمعايير نفسها التي نقدر بها أنفسنا، وبالتالي فإن الأشخاص الذين يحملون أفكارا لاعقلانية تتعلق بتقدير الآخرين، ربما يكونون أكثر ميلا للوم أنفسهم والآخرين من حولهم، وعليه فإنه من غير الواضح فيما إذا كانت الرغبة في تحقيق المطالب الايدولوجية هي أكثر ارتباطا مع التعصب بسبب الإحباطات أو بسبب أفكار تقدير الذات.
وعليه، فانه بإمكاني القول بأن دكتاتورية شخصية كل من هتلر وستالين كانتا شيطانيتين كنتيجة لأعمالهم وتصرفاتهم على الرغم من أنها شخصية مثيرة للجدل ومشاكسة، وبشكل أكثر دقة فإن الفكر المتطرف ربما يقدر أفكاره الخاصة به بشكل يدعو للمثالية والتفوق، وبالمقابل فإنهم ينظرون إلى أفكار غيرهم بالدونية ويتجاهلون الحقائق والمسلمات، ومن جهة أخرى فقد أدرك أتباع الكنائس البروتستانتية الأوائل بأن التعصب الديني ربما يقود إلى أفكار خطيرة جدا يتبعها تصرفات وحشية ولا إنسانية والتي ربما للأسف يتم تبريرها باسم الرب.
إن مشكلة العنف وارتباطها بالدين هي ليست مشكلة حديثة بل إن معظم الحروب التي حصلت على مر التاريخ قد تمت بدواعي وأسباب دينية، وكانت تدعو إلى التضحية في سبيل الدين والحفاظ على فكره. مقابل الحصول على اعلي الدرجات بعد الموت، بدلا من دخول جهنم وهذا ما جاء في الإنجيل الشيطاني، وأحيانا التضحية بالدم من اجل أسماء معينة مثل البابا الأسود (Black pope) وأمير الظلام (lavey, 1969)
إن هذا الصراع وجها لوجه مع الآخرين هو بسبب أفكار شيطانية إذ يصورها إبليس على أنها أفكارا وردية. إن دراسة الدين والعنف هي ليست النظر إلى الكفار مقابل إهمال المؤمنين أو العكس بل هي بسبب عوامل الأمراض النفسية المرتبطة بالعوامل الثقافية. فعلى مر التاريخ وعند مراجعة الأدب الماضي الحديث فقد تبين إن معظم الذين تسببوا في جرائم عنف لمجموعات كبيرة من الناس قد تم تشخيصهم على أنهم يعانون من اضطرابات ذهانية.
إن الأيدولوجيات التي تعتمد مبدأ العنف تعكس وتعبر بالأصل عن عمليات نفسية صعبة؛ إن من المهم التفكير بالأسس البيولوجية للطبيعة الإنسانية بدلا من التركيز على الوجوبيات، خصوصا إذا ما أدركنا أن الطبيعة الإنسانية قد تغيرت بشكل بسيط جدا عبر القرون والتي تقدر بآلاف السنين، وعلى سبيل المثال فقد فرض الاتحاد السوفييتي سابقا أفكاره على كل جوانب الحياة من خلال فرض الأفكار الوجوبية بالقوة وسلطة الدولة، وذلك على مدى 80 عاما من الحكم، إن هدف العلاج النفسي للمتطرفين هو قبول احتمالية الفشل كجزء من طبيعة الإنسان كما يهدف إلى نشر ثقافة التسامح وعدم النظر للعالم بمثالية ودون أخطار. وعدم السماح للأفكار الوجوبية لأن تصبح وتتحول إلى التزامات متطرفة، ومقابل ذلك أهمية التركيز على حرية الفكر وتشجيعه.
إنني على ثقة بإمكانية خفض حدة التطرف الديني من خلال أساليب الإرشاد والعلاج النفسي، وبشكل عام فإن من الممكن أن ينخفض التطرف والتعصب الديني من خلال خفض حدة الإحباطات ومقاومة الوجوبيات في السنوات القادمة؛ بدليل انخفاض نسبة الجرائم في العالم وانحسار الحروب في أوروبا والغرب على وجه التحديد، حيث انخفضت نسبة الجرائم في بريطانيا من 10 مجرمين لكل مئة ألف شخص إلى مجرم واحد لكل مئة الف شخص، وهذا بسبب نتائج تطبيق أساليب العلاج العقلاني الانفعالي ومقاومة الوجوبية.
وبالمقابل وحتى لا أكون وجوبيا، فإن هناك استثناءات لهذا الانخفاض الملحوظ في الجرائم والحروب في أوروبا، إذ أن معظم الحروب الصليبية والألمانية الفاشية والاستالينية الروسية هي بسبب أفكار وجوبية، مقارنة بالأفكار العقلانية، واعتماد مبدأ تفنيد ودحض الأفكار اللاعقلانية وحل الصراعات بالفكر الإيجابي مما يؤدي بالتأكيد إلى تقليص حدة العنف وتقييده.