ان السبب الرئيسي والمهم لما حصل في سوريا هو رفض بشار الاسد تمرير خط غاز قطري
يمر في سوريا وايقاف خط غاز روسيا المار بسوريا للمياه الدافئة في البحر المتوسط لتزويد اوروبا بالغاز .
انشأت امريكا داعش باعتراف هيلاري كلنتون وسلحت ودربت ومولت بعض المنظمات الاخرى ،مما اسفر عن تدمير معظم سوريا وقتل وجرح وتشريد وتهجير الملايين من الشعب السوري.
نعود بالذاكرة قبل 8 سنوات مضت عندما نجح اوباما في الانتخابات الامريكية للمرة الاولى ،وقف يقول ان سياسته التي سيبدأ في تطبيقها فور تسلمه منصبه رسميا ، ستكون سياسته مختلفة عما كان سابقا.
قال انه سيكون اقل انخراطا في حروب الشرق الاوسط ومشاكله وسينتهج سياسات اكثر سلمية تهدف الى تحقيق الاستقرار في العالم .
لكن الايام اثبتت ان خطابه لم يكن سوى شعارات دعائية وربما لم يكن القرار بيده لوحده لان امريكا بلد مؤسسات ولوبيات والقرار ليس فرديا .
فقد تورطت امريكا بعهده في حروب لا تعد ولا تحصى، بداية من ليبيا مرورا باليمن وكذلك ازمة سوريا. ففي السنين الاخيرة من عهده القت امريكا 36الف و171قنبلة على اماكن متفرقة في العالم وبالأخص على الشرق الاوسط اهمه سوريا بمعدل 72قنبلة في اليوم اي 3قنابل كل ساعة.
قام بتخفيض عدد الجنود الامريكيين على الارض ولكنه توسع بشكل كبير في الحروب الجوية واستخدام قوات العمليات الخاصة في عدد من دول العالم .
لقد تدخلت امريكا بعهده في 138بلدا حول العالم وهو ما يرتفع 120%عما حدث في عهد سلفه جورج بوش .
لقد استهدف سوريا والعراق وافغانستان وباكستان وليبيا واليمن والصومال، و لا نعرف ما يطبق من خطابات ترامب ووعوده ؟
من الواضح ان اكبر دولة في العالم قد فشلت بسبب الحلول العسكرية مهما كانت قوتها.
ما حصل يلخص وضعا دوليا سيعيش معنا في الاعوام المقبلة ،حيث القدرة على حشد الموارد والقدرات اهم من كمية هذه الموارد ونوع هذه القدرات .
بوتن ومعه ايران انتصرا لبشار الاسد على الغرب وحلفائهم دول الخليج الذين يرغبون هزيمة بشار .
لكن ما لبث ان ودعت احياء حلب الشرقية آخر ساكنيها حتى اطل الوزير الروسي سيرغي لافروف من موسكو معلنا عن مخرجات الاجتماع الثلاثي الذي جرى بين روسيا وتركيا وايران لتسوية الازمة السورية ،في غياب غير مبرر لوجود ممثلي النظام السوري وقوى المعارضة كونهم اطراف المشكلة الرئيسيين، وفي غياب عربي اوضح اعتزال الدول العربية المعترك السوري .
أكد لافروف عراب الاجتماع الثلاثي اتفاق الاطراف على وحدة الاراضي السورية كلها كدولة ديموقراطية متعددة الاديان والاعراق ،وعلى عقم الحلول العسكرية في تسوية الازمة وضرورة البدء بمحادثات السلام دون الاشارة الى عملية انتقال سياسي للسلطة تقضي بإحلال نظام جديد يلبي تطلعات الشعب السوري بالحرية والكرامة والمساواة كما تضمن جنيف وما تلاه من مؤتمرات .
لقد تصدرت روسيا المشهد غير آبهة بأمريكا التي تترقب رحيل اوباما وتسلم ترامب دفة قيادة دولة من اعظم دول العالم .
هناك اسئلة تتبادر للأذهان :
اولا :هل روسيا ومعها ايران وتركيا يمكنها حقا الوصول الى ايقاف القتال ؟ والبدء بمفاوضات سلام تنتهي بحل توافقي ينهي مأساة السوريين المستمرة منذ ستة اعوام.
نظرا لتأثير هذه الدول على البندقيات الساخنة في سوريا وبكافة الوانها وراياتها ،يمكننا ان نقول اذا صدقت نيتهم بإيقاف القتال فذلك ممكن .
اذا اوقفت ايران نشاط قواتها والمليشيات التابعة لها على الارض السورية، واذا اجبرت تركيا الفصائل التي تدعمها في الشمال السوري على ايقاف القتال واجبار قوى المعارضة السياسية على الحضور والاذعان للمفاوضات فهذا ممكن ايضا.
هاتان خطوتان كبيرتان وجديتان نحو الحل المنشود ،لكن ماذا عن روسيا ؟
بوتن الذي استعاد جزءا كبيرا من هيبة روسيا دوليا من خلال اكبر ازمات هذا القرن يسعى لان يكون هو صاحب الفضل في انهائها ،لتكتمل صورة روسيا الجبارة في العالم ،التي لا تريد – اي روسيا – استنزاف قوتها اكثر من ذلك في حرب امسكت بخيوطها كاملة وقادرة على فك تشابكاتها بالطريقة التي تحب وتشتهي خصوصا بعد ان ركب في سفينتها كل من تركيا وايران ومصر والسعودية وامريكا ( ترامب ) .
السؤال الآخر هو اين النظام والشعب السوري من هذه الرؤية الروسية التركية الايرانية ،ومن سيضمن رضا هذين الطرفين الرئيسيين عن خطوات الرؤية الثلاثية .
تدخلت كل من روسيا وايران في سوريا لغايات مصلحية بحتة بعيدة كل البعد في الجوهر عن النظام وشخص رئيسه بشار الاسد ،ومن المهم ان نؤكد ان الجيوش والمقاتلين لا يمكن ان تتحرك لمنع سقوط نظام بعينه او لتأمين سلامة شخص بذاته ،وان كان ما حدث يوحي بعكس ذلك .
ان اجتماع موسكو الثلاثي ما هو الا تقاسم وتوافق على اقتسام المصالح ،واعتراف كل طرف من الاطراف بمصلحة الاطراف الاخرى في سوريا .
الى هنا يبدو أن تركيا تخلت عن مطلبها الدائم بإسقاط النظام السوري الى اجل ما ،وارضائها بدعم ايراني وروسي لمصالح الدولة التركية الاستراتيجية في سوريا ، خصوصا ضمان عدم الوصول لأي كيان كردي في الشمال السوري ،كما كانت تسعى ادارة الرئيس اوباما الهادفة لتفتيت وتقسيم المنطقة ،ويبدو ايضا ان ايران رضيت بضمان الوصول الى نظام جديد يحفظ مصالحها السياسية والمذهبية ولا يعادي صولاتها المستمرة في الشرق الاوسط ،كما ستحصل روسيا في نهاية المطاف على دولة تابعة لها بشكل من الاشكال قد يكون على شاكلة العراق المقسوم بحرفيه بين ايران والولايات المتحدة .
مزيدا من التفصيلات :حيث يلاحظ ان التطورات الدولية والاقليمية تسارعت في الاشهر الاخيرة من العام المنصرم ،لتشكل خارطة جديدة من التحالفات في المنطقة وليولد شرق اوسط جديد يختلف عما خططت له واشنطن وسعت لإحكام قبضتها عليه من خلال تقسيمه وتمكين جماعات الاسلام السياسي من استلام السلطة فيه .
كما انتهى عام 2015،بضربة قوية للمخطط الامريكي ،اما التدخل الروسي فقد غير موازين القوى على الارض السورية ( وذلك بعد ان خدع الغرب روسيا في ليبيا واخرجوها دون اي حصة من الكعكة التي استولوا عليها ) وتحريكه عملية التسوية السلمية للازمة السورية التي كانت تحتضر آنذاك .
يرحل عام 2016،بتطورات لا تقل اهمية ،تؤسس لشرق اوسط جديد لا مكان فيه للتطرف والارهاب وتقوده روسيا بحضور سياسي وعسكري قوي ومتصاعد نحو الاستقرار بعد الفوضى غير الخلاقة والمدمرة التي اجتاحته وما زالت تداعياتها تعتصرنا جميعا .
يعتبر الاتفاق الروسي – التركي لوقف اطلاق النار الشامل في سوريا والذي دخل حيز التنفيذ منتصف ليلة 29كانون اول عام 2016،ورغم بعض الخروقات فيه لكنه يعتبر نقطة تحول مفصلية في الازمة السورية من زاويتين الاولى انهاء الاستقطاب الذي طالما عطل انفراج الازمة السورية بين محور روسيا وايران من جهة ومحور تركيا والولايات المتحدة الذي تعتبر انقرة رأس الحربة له والداعم الرئيسي للجماعات المسلحة والحاضنة السياسية لها .
لكن بعد محاولة الانقلاب الفاشلة على اردوغان والتي يتهم بها اشخاصا مقيمين في الولايات المتحدة ورفضها تسليمهم لتركيا ويتهمها بتدبير الانقلاب ضده ويعتبرها ان لا صداقة ولا وفاء عندها الا مصلحتها ،تحول الى روسيا وايران وتفاهم معهما .
الزاوية الثانية انه لأول مرة يتم تمييز المعارضة المسلحة التي وقعت سبع جماعات منها على الاتفاق عن التنظيمات الارهابية في سوريا التي حددها الاتفاق بداعش والنصرة ( فتح الشام )وكل الجماعات المتعاونة معها وتضييق الخناق على الاخيرة تمهيدا للقضاء التام عليها .
كما ان مفاوضات التسوية المقرر عقدها بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة المسلحة في استانا بكازاخستان في شهر كانون ثاني 2017،بناء على مسودات يجري العمل عليها بتنسيق روسي – تركي
تعد نقلة نوعية اخرى نحو التسوية السلمية للازمة وتحقيق الاستقرار النسبي لسوريا والمنطقة ،وذلك رغم بعض القضايا الخلافية التي ما زالت عالقة ،ويخشى ان تعقد المشهد، ومن ابرزها اعتراض تركيا على مشاركة وحدات الحماية الكردية في المفاوضات ،واعلان سوريا النظام الفدرالي في مناطق سيطرتهم في شمال البلاد والتي تضم المقاطعات الكردية الثلاث : كوباني ( ريف حلب الشمالي ) ،وعفرين ( ريف حلب الغربي )والجزيرة ( الحسكة )،في حين رفضت الحكومة السورية وكذلك الائتلاف الوطني السوري المعارض هذه الخطوة من جانب الاكراد .
على صعيد آخر يعتبر اتصال اردوغان برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تطور مهم نحو تهدئة التوتر بين البلدين ودعم التفاهمات التركية مع كل من روسيا وإيران.
لا شك ان مثل هذه التطورات المهمة تدعم التعاون الروسي – التركي وبه تكون روسيا الدولة الكبرى
الوحيدة التي تحتفظ بعلاقات وتعاون استراتيجي مع مثلث القوى الاقليمية الفاعلة غير العربية ،تركيا ،ايران، اسرائيل .
الامر الذي يعزز من قدرتها على قيادة مجريات الاحداث في المنطقة او على الاقل التأثير بفاعلية بها .
من المعروف ان هناك شراكة استراتيجية متنامية بين موسكو وطهران وهناك اتجاه واضح لدى البلدين لتعميق تعاونهما الاستراتيجي ،وخلال زيارة بوتن لطهران في شهر شباط 2015،والتي كانت الاولى منذ عام 2007،وجاءت على هامش اجتماع القمة الثالثة لمنتدى الدول المصدرة للغاز ،ثم تأكيد استمرار التعاون بين البلدين في المجال النووي وانشاء محطات نووية جديدة في ايران .
لقد تم توقيع سبع اتفاقيات ومذكرات تفاهم للتعاون الثنائي في مجال الطاقة وغيرها من المجالات ،وفي شهر حزيران 2016 ،عقد اجتماع ثلاثي بين وزراء دفاع ايران وروسيا وسوريا في طهران للتنسيق لمواجهة الارهاب والتحرك العملياتي في سوريا .
في شهر آب 2016 ،أقلعت القاذفات الاستراتيجية الروسية من طراز تي .يو. 22أم وأس . يو.34من قاعدة توجة في همدان غرب ايران وقصفت اهدافا لتنظيم داعش وجبهة النصرة في مناطق حلب ودير الزور وادلب وهو ما عد تطور بالغ الدلالة خاصة وانها المرة الاولى التي تستخدم روسيا بلدا ثالثا لشن غارات على سوريا وبالتوازي مع الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وطهران تحتفظ روسيا بعلاقات جيدة وقنوات اتصال مفتوحة مع اسرائيل، فقد نجحت زيارة بوتن لإسرائيل في شهر حزيران 2012في اعادة الدفء للعلاقات بين البلدين بعد فترة من الفتور النسبي ،وتكررت زيارات نتنياهوا لموسكو وكان آخرها في حزيران 2016والتي كانت الثانية في غضون شهر ونصف ،وتوافقت مع الذكرى الخامس والعشرين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما ،وركز الجانبان على التعاون بينهما في مجال مكافحة الارهاب والتنسيق بشأن العمليات الروسية في سوريا ،وهو ما تم بحثه ايضا خلال زيارة رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميديفيديف لإسرائيل في شهر تشرين الثاني 2016.
وفي النهاية يلاحظ ان روسيا ومعها بقية الاطراف لها مصلحة بإنهاء الازمة السورية في شكلها الحالي والوصول الى حل يرضي جميع الاطراف التي تخوض الحرب هناك .
ومع طي صفحة التوتر في العلاقات الروسية الامريكية بوصول ترامب للبيت الابيض في العشرين من شهر كانون ثاني 2017والتفاهمات المتوقعة والمأمولة بين موسكو وواشنطن حول سوريا وغيرها من القضايا داخل الشرق الاوسط وخارجه ،سيعاد رسم خارطة التحالفات في المنطقة.
لكن اين الدور العربي في مجمل هذه التطورات ولو كان موجودا لما سمح للغرب والشرق ان يتقاسموا خيرات هذه البلاد- كمثال ان هولندا لديها مليون بقرة تغذي العالم منها بمنتجات الالبان بينما السودان لديها ثلاثين مليون بقرة تئن تحت الكسل والمرض والفقر والجهل - ،لكن القراءة المبكرة للتطورات الدولية والاقليمية والتحرك الفعال للتعاطي معها والانتباه لمواردنا يمكن ان يكون له فائدة جلى
قال أبو فراس الحمداني في حلب::
اقول وقد ناحت بقربي حمامة ايا جارتا هل تشعرين بحالي
ايا جارتا ما انصف الدهر بيننا تعالي اقاسمك الهموم تعالي
لقد كنت اولى منك بالدمع مقلة ولكن دمعي في الحوادث غالي
وقال امير الشعراء احمد شوقي
أحرام على بلابله الدوح...حلال للطير من كل جنس
الدكتور المهندس سامي الرشيد
dr.sami.alrashid@gmail.com