وفد أنقرة إلى الأستانة: طغيان «إخواني» واستبعاد السعودية والأردن
12-01-2017 04:22 PM
عمون - حصلت «الأخبار» على لائحة مقدّمة من تركيا إلى روسيا تحمل مقترحات بأسماء وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات الأستانة. وطغت الأسماء والجهات ذات الجذور «الإخوانية» على اللائحة، مع استبعاد واضح للجهات المحسوبة حصراً على السعودية .
يقترب موعد المفاوضات المقرّرة بين الحكومة السورية والمعارضة، في العاصمة الكازخية الأستانة برعاية روسية ــــ تركية، في ظلّ استمرار خروقات الجماعات المسلّحة لوقف إطلاق النار المعلن قبل نحو أسبوعين، بالرعاية الخارجية ذاتها. وأفضت اجتماعات الأيام الأخيرة في تركيا إلى خروج المقترح شبه الرسميّ للجهات والأسماء التي ستحضر إلى طاولة المفاوضات، مؤلّفاً من 44 اسماً، وتعطي دوراً كبيراً لمشاركة الجماعات المسلّحة.
وتُظهر لائحة الأسماء طغياناً واضحاً لدور الفصائل المحسوبة على تركيا في تحالف «درع الفرات»، التي تحمل في طياتها عصباً وجذوراً «إخوانية»، يصل حدّ التماهي مع «حزب العدالة والتنمية» التركي، مع غياب شبه تام للفصائل التي تُحسب صافيةً على السعودية، كفصائل «الجبهة الجنوبية» التي غُيبت في الأصل عن وقف إطلاق النار. مصادر سورية متابعة لملفّ المفاوضات في دمشق، ترى أن «حضور ممثّلين عن جيش الإسلام عبر مُمَثِّلَين (يامن تلجو ومحمد بيرقدار)، لا يعكس الحضور السّعودي بعد أن قبضت تركيا على الجماعات الإرهابية، مخرجةً السعودية وحتى قطر من القرار في الميدان، لذلك تحرص أنقرة على تمثيل الفصائل التي تتّخذ من تركيا رئة للدعم المادي والعسكري بمعزلٍ عن مصدره، فيما غيّبت الفصائل التي تستخدم الأردن منصّة لاستقبال الدعم الخليجي». وفيما غابت أسماء ممثلي «الجبهة الجنوبية»، حضر اسم أحمد أبازيد بصفة مستشار، لاختصار الجنوب بتمثيل «إخواني» عنوانه عائلة أبازيد ذات الجذور الأردنية في محافظة درعا، التي تدفع الروابط الإخوانية مع «حزب العدالة والتنمية» بغالبية فعالياتها إلى الجيب التركي، بعيداً عن القبضة السعودية.
وجرى تمثيل غالبية الفصائل التي تغزو الشمال السوري تحت عباءة الاستخبارات التركية، ضمن «درع الفرات»، ومن الأسماء المشاركة منذر أحمد سراس عن «فيلق الشام»، والعقيد المنشق أحمد عثمان عن «فرقة السلطان مراد»، والمقدّم المنشقّ فارس البيوش عن «جيش إدلب الحر»، وعبد الحليم منصور عن «صقور الشّام»، وهائل خليفة عن «فيلق الرحمن»، وحسام ياسين عن «الجبهة الشامية» وصطفى جميل برّو عن «تجمع فاستقم كما أُمرت»، والرائد المنشق جميل الصالح عن «جيش العزّة»، فضلاً عن تمثيل محمد السيد وتوفيق شهاب الدين لـ«نور الدين الزنكي»، التي تجاهد تركيا والوسائل الإعلامية المعادية للحكومة السورية محاولة على تلميع صورتها، منذ تسرّبت فضيحة ذبح العصابة للطفل الفلسطيني في مخيّم النيرب.
تحاول تركيا تظهير الإخوان المسلمين بديلاً من تنظيم «داعش»..
وتشارك «حركة أحرار الشام» ذات الجذور والارتباط الإخواني، بشكل فعّال، عبر طرح ستّة ممثلين عنها، هم أبو جابر الشيخ وأبو يحيى الحموي وأبو عزام الأنصاري ومنير السّيال وأبو عمار تفتناز ولبيب نحّاس، بالإضافة إلى رئيس «الائتلاف» المعارض السابق معاذ الخطيب والرئيس الحالي أنس العبدة وعبد المنعم زين الدين كـ«منسّق بين الفصائل»، ذوي الخلفية الإخوانية. ويربط أكثر من مصدر سوري أمني وسياسي، بين الدور الذي يعطى لـ«أحرار الشام» في منطقة وادي بردى، والمحاولات التركية لتعويم الحركة، كمفاوض «مدني» لحجز مكان لها في المستقبل السوري. كذلك تستفيد الحركة، من تعامل إيران معها كقوّة موجودة بالأمر الواقع، خصوصاً في ما يتعلّق بالمفاوضات حول الفوعة وكفريا والزبداني، ومن الروابط التي تحتفظ بها الجمهورية الإسلامية مع بعض الحركات ذات الأبعاد الإخوانية كحركة حماس و«حزب الحريّة والعدالة» في مصر، علماً بأن هناك شبه ابتعاد إيراني عن مفاوضات الأستانة.
وتقول المصادر إن «الضجيج حول مسألة اندماج الفصائل، ولا سيّما السّجال داخل أحرار الشام حول الاندماج مع جبهة فتح الشام (جبهة النصرة) لا تعكس حقيقةً، الاختلاف الفقهي أو العقائدي بين التنظيمين، التي تكاد تكون روحاً واحدة»، مذكّرة بكلام أبو محمد الجولاني في مقابلته الأخيرة مع قناة «الجزيرة»، عن أن مقاتلي «أحرار الشام» هم بقيادة «الجبهة»، حتى ولو قرّرت الحركة قتال «النصرة» أو فكّ الالتصاق عنها. وبحسب المصادر المعنيّة في المفاوضات، فإنّ «أحرار الشام الإخوانية تهدف من خلف هذا السجال إلى إيهام صنّاع القرار في الغرب بوجود اختلاف عن (النصرة)، من دون أن يكون ذلك واقعاً فقهيّاً أو فكريّاً، بعد أن غيّر إخوان سوريا استراتيجيتهم منذ ثمانينيات القرن الماضي وانتقلوا من التنظيم العلني إلى العمل السرّي وتحوّلوا إلى عصب السلفية الجهادية في العالم». وتذكّر المصادر بما قاله الرئيس السوري بشّار الأسد في مقابلته مع صحيفة «الوطن» المحلية في تعليق حول حماس، مؤكّداً أن سوريا دعمتها «ليس لأنها إخوان، بل لأنها مقاومة، لكن ثبت في المحصّلة أن الإخونجي في أي مكان يضع نفسه فيه، يبقى من الداخل إخونجي إرهابي منافق».
ولم تعطِ موسكو بعد ملاحظاتها حول المسوّدة المطروحة، علماً بأنها ستضيف إلى الوفد المعارض ممثّلين عن «منصّة موسكو» التي يعدّ من أبرز وجوهها رئيس حزب «الإرادة الشعبية» قدري جميل. كذلك لم تتبلّغ دمشق بلائحة الأسماء التي هندستها تركيا بشكل رسمي، حتى الآن. وفيما لا يُخفى على الدبلوماسية السورية المحاولات التركية لإضفاء الجوّ الإخواني على وفد المعارضة، تقول مصادر دبلوماسية لـ«الأخبار» إن «الحكومة السورية عبّرت مراراً عن أنها لا تضيع الوقت بالتفاوض مع أشخاص إنّما مع الواقع على الأرض، ولذلك لا مانع لديها من التفاوض مع أيٍّ كان من السوريين لوقف الحرب، والوصول إلى الحلّ الذي يضمن وحدة سوريا وسيادتها، على أن يكون هذا التفاوض سورياً ـــ سورياً، وأن يكون من دون شروط، ولأجل هذا الهدف سنذهب إلى الأستانة». وأكّد الأسد في حديث مع عدد من وسائل الإعلام الفرنسية في العاصمة السورية قبل أيام مستبقاً الخطوة التركية، إلى أن «دمشق ما زالت تطرح تساؤلات عمّن سيكون هناك من الطرف الآخر (في المفاوضات)»، مؤكّداً استعداد بلاده للمشاركة في جولة المباحثات، والتفاوض «من دون حدود» باستثناء «القضايا الدستورية» التي «يقررها الشعب».
وتُلقي معارك مدينة الباب، مخاوف من المطامع الكامنة خلف الانخراط التركي في السّعي لحلّ سياسي، والطموح بحصّة ميدانية وسياسية في الحلّ السوري، عبر منح الجماعات الإخوانية منفذاً إلى الدولة السورية مستقبلاً، كما يروّج رئيس المكتب السياسي في «أحرار الشام» لبيب النّحاس. ففيما تضع تركيا نصب أعينها الخطر الكردي، مع قناعة بصعوبة العودة إلى الوراء في ما حقّقه الأكراد بالدعم والحماية الأميركية حتى الآن من سيطرة في الشمال السوري، تعمل أنقرة على ابتزاز الأميركيين لوقف الدعم الكردي، موحيةً بنيّة الالتحاق في ركب التحالف الاستراتيجي مع روسيا، ولا سيّما بعد التلميحات الأخيرة حول قاعدة «أنجرليك». في وقت تحرص فيه موسكو على بدء المفاوضات ونجاح مؤتمر الأستانة، و«توريط» الرئيس رجب طيب أردوغان أكثر في التحالف معها، طمعاً في انتزاع الحليف العسكري الأبرز لواشنطن، في حلف «الناتو». ومع أن «حرب التفكيك» التي أسهمت بها تركيا، متوهمة أنها ستبقى خارج حدودها، وباتت تشكّل الآن خطراً كبيراً على الداخل التركي مع تصاعد الأعمال الإرهابية لتنظيم «داعش» ونشاط حزب العمال الكرستاني، تحاول أنقرة تثبيت سيطرة جغرافية في الشمال باستخدام «درع الفرات»، فارضةً كانتوناً إخوانياً بديلاً من سيطرة «داعش». ولعلّ الكلام الذي أطلقه زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي في خطابه الأخير، ووصفه «الإخوان» بـ«إخوان الشياطين» تزامناً مع دعوته أنصاره إلى مهاجمة الداخل التركي، يشير إلى توجّسه من نيّة تركيا، تظهير الإخوان المسلمين بديلاً من تنظيمه، ليس في سوريا وحدها، بل على امتداد المنطقة.
الاخبار.