دأبت بعض القيادات الإدارية والمسئولين في وزارات ومؤسسات الدولة الأردنية على استخدام ذريعة "الإساءة لمؤسسات الوطن" كمبرر للنيل من منتقديهم سواء من العاملين في مؤسساتهم أو من الناشطين السياسيين المهتمين بالشأن العام. والغريب في الأمر أن الحكومة ومن قبلها جلالة الملك يدعون في كل مناسبة إلى ضرورة المساءلة والشفافية في أداء أجهزة الدولة والقرارات التي تتخذها قيادات الأجهزة الحكومية ممثلة بالوزراء والأمناء العامين ورؤساء الجامعات والهيئات العامة. وهنا نتساءل باستغراب شديد كيف يمكن أن يكون انتقاد أداء وزير أو مدير دائرة أو رئيس جامعة رسمية أو مؤسسة عامة مستقلة كيف يمكن أن يشكل هذا إساءة لمؤسسات الوطن؟ كيف يمكن أن يشكل كشف شبهات الفساد، والتربح من الوظيفة العامة ، وتنفيع الأقارب والأصدقاء ، واستغلال الوظيفة لتحقيق مآرب ومصالح شخصية للمسئول أو أبنائه، كيف يمكن لذلك أن يشكل إساءة لمؤسسات الوطن؟
إن تهمة "الإساءة لمؤسسات الوطن" تهمة كبيرة ربما لا يفوقها في الجسامة إلا الخيانة والاتصال مع العدو، ونعتقد بأن توجيه هذه التهمة للكتاب والصحفيين والأكاديميين فيه ما فيه من التلفيق والتشكيك بوطنية وانتماء الأردنيين الذين ربما أنهم الأكثر حرصا على سمعة بلدهم ومؤسساتهم .وهنا لا بد من الإشارة بأن نقد وانتقاد سلوكيات وتصرفات وقرارات القيادات المسئولة عن مؤسسات الدولة فيه خدمة لهذه المؤسسات ويعود بالخير على أجهزة الدولة، وأن نقد أداء القائمين على مؤسسات الدولة يسهم في رفع أداء هذه المؤسسات ويكشف الممارسات الخاطئة لقياداتها واستغلال الوظيفة العامة لتحقيق مآرب شخصية ، وعليه فإن انتقاد المسئولين وكشف ممارساتهم المخالفة للقوانين لا يعد انتقادا أو انتقاصا من مؤسسات الوطن، لابل على العكس من ذلك فينبغي الحرص دوما على متابعة أداء القيادات الإدارية ومساءلتها عن شبهات الفساد وإلا فإن مؤسسات الدولة ستصبح "عِزبًا" أو مزارع للقائمين عليها يفعلون ما يشاؤون فيها دو رقيب ولا حسيب .
الصحافة والإعلام هي السلطة السياسية الرابعة في الدولة وهي أصبحت السلطة الأكثر نفاذا وتأثيرا ووصولا لبؤر الفساد في الأجهزة الحكومة خصوصا في حقب زمنية نسعى من خلالها إلى التحول الديمقراطي الذي يجعل المواطن رقيبا على مؤسساته وأداء من يقومون على إدارة هذه المؤسسات.
المواطنون لا يستطيعون الوصول للمعلومات ومعرفة أنشطة المؤسسات وفيما إذا كانت تشوبها شبهات فسادا أم لا إلا من خلال سلطة مجلس النواب، وهنا يوجد كلام كثير حول فعالية وقدرة هذا المجلس على ممارسة الدور الرقابي على مؤسسات الدولة أو من خلال الصحافة ووسائل الإعلام والكتاب الذين يمكنهم المتابعة وكشف ما تخفيه تصرفات وقرارات المسئولين. فضائح عدد من مدراء المخابرات السابقين وكذلك السيد خالد شاهين والمصفاة وبعض رؤساء المؤسسات المستقلة تم الكشف عنها من خلال الصحافة وليس من خلال البرلمان ولا ديوان المحاسبة ولا هيئة مكافحة الفساد.
بعض الكتاب والناشطين في مجال الشأن العام يتم تشكيل لجنان تحقيق لهم على خلفية ما يكتبون من مقالات والتهم الموجهة والتهم التقليدية التي توجه لهم هي "الإساءة لمؤسسات الدولة" والتطاول على إدارات هذه المؤسسات .وهنا نتساءل إذا كانت الكتابة الصحفية لا تتعرض لاسم مؤسسة بعينها ولا لرئيسها فأين الإساءة لمؤسسات الدولة؟ وهل الكتابة التي تستند إلى معلومات موثقة تكشف عن ثغرات وشبهات فساد تسيء للمؤسسة أم تخدمها؟ وهل رئيس المؤسسة وزيرا أو مديرا أو رئيس جامعة الذي تم تعيينه بإرادة ملكية، هل هذا المسئول يتمتع بالحصانة الملكية أم أنه خاضع للمساءلة العامة؟ وهل الفساد يقتصر على مخالفة القوانين أم أن هناك قرارات قانونية ومستكملة للمتطلبات تشريعية والإجرائية ولكنها تنطوي على فساد يزكم الأنوف؟
الإساءة لمؤسسات الوطن تهمة باطلة وهي فرية تستخدمها قيادات ومسئولين لإرهاب الآخرين وتخويفهم وتكميم أفواههم، في الوقت الذي يسرح فيه هؤلاء المسئولين شرقا وغربا في مؤسساتهم ، ويستبيحون مقدراتها ، ويستثمرون في سلطاتهم ويمنحون أو يمنعون الحقوق والامتيازات في هذه المؤسسات بغير وجه حق . نعم بعض القيادات الإدارية تسيء للمؤسسات التي وُليت عليها وتمارس فيها التسلط والشخصنة والشللية في الوقت الذي تتهم من ينتقد أداءها ويكشف شبهات فسادها بالإساءة لمؤسسات الوطن" يا لها من فرية واعجبي......