ما يدور في الشارع الاردني حالة تمثل حراك سياسي واجتماعي ونيابي كبير خاصة وان مجموعة ضربات على الراس اوجعت ادمغة المواطنين وافقدتهم القدرة على مجرد التفكير والاستنباط والاستقراء.
فمن احداث الكرك، الى واقع العلاقة الحكومية، الى برنامج رفع الاسعار والتنقاض في تصريحات المسؤولين عنه، الى حراك النواب، وانخفاظ نسبة دعم العلاجات الصحية الى بداية ظهور غضب الناس، الى استمرار ممارسات الفساد وبشكل علني، الى ضعف الحكومات عن التعامل ولومع قضية فساد يسترجع بها اموال الدولة (كقضية بنك البتراء او الاردن والخليج او الغزل والنسيج او مصنع الزجاج او الفوسفات ...الخ) الى غياب المساواه والعدالة وتكافوء الفرص، الى تفاقم حالة الفقر والبطالة وارتفاع المديونية، الى هجرة الاستثمار والمستثمرين، الى اغلاق المصانع وهجرتها، الى تردي الحالة السياحية ومعاناة ادواتها الى الحالة الاعلامية التي تعددت مرجعياتها وترددت قراراتها وانخفض اداءها، الى الحالة الامنية في المنطقة وتولد الاحتمالات المختلفة ...الخ.
كلها عناوين ملحة لا بد للرئيس من التعامل معها مباشرة ويضع البرامج العملية لمعالجتها باعتبارها تحديات كبرى تصيب الاستقرار الاردني والحالة الامنية التي بقيت لدينا نعيش في حماها ونتغنى بها ليل نهار.
ما يجري الان في الشارع الاردني من هيجان فكري وتساؤلات مؤلمة وتخوف من قادم مجهول انما صنعته عوامل واضحة من اهمها تخبط في السياسات وتضارب بالارقام والتصريحات وضعف بل صراع في العلاقات الحكومية الحكومية واختلال بالاولويات، فاولوية الحكومة والسلطات الاخرى هي المواطن، فاين هي ملامح هذه الاولوية وكيف نستطيع تحقيقها وسط هذا التوجه الذي اصبح فيه المواطن وسيلة لا الغاية او الهدف الاسمى لعمل الاجهزة المختلفة.
نحن ندرك تماما ان الحكومة في وضع لا تحسد عليه وان تراكمات عديدة رحلتها الحكومات السابقة لنصتدم بها اليوم، وتواجهها هذه الحكومة ولا فرار من الالتزام بمعالجتها رغم مرارتها وعلقميتها، ولست متشائما اذا قلت باننا وصلنا مرحلة نحن اقرب الى الكارثية منها الى التفاؤلية ولا بد من الكي بالنار حتى نستطيع ان نعود الى المسار الصحيح .
ان المؤشرات الاولية لطبيعة تفكير وتصرف الحكومة لواقع التحديات الاردنية يبين ان هناك اضطراب واضح في التعامل مع القضية الاقتصادية فالاساس ان يطرح الرئيس الموضوع برمته على مجلس النواب ودون تردد وبيان وجهة الحكومة بذلك ولكن بشكل متفق بعيدا عن تضارب الارقام والنواب دستوريا هم اصحاب القرار النهائي، هذا اذا لم يتم التوصل لتفاهمات وسطية بين الطرفين.
فالنواب وقرارهم هو السلاح الذي لا بد وان تحمله الحكومة لمواجهة البنك والصندوق الدولي وهم بنفس الوقت الاداة التي ستعيد هيجان الناس الى مخدعة بعد ان يدركوا بان ممثليهم ينوبون بالفعل عنهم ويدافعون عن حقوقهم ، ونحن اليوم بامس الحاجة الى مثل هذه الحالة لاننا لا نريد ان يفقد المواطنون الثقة بنوابهم الجدد، خاصة واننا لا نريد ان نرى جمرا تحت الرماد.
الحكومة مطالبة الان ان تتحرك على الصعيدين الداخلي والخارجي، فهي مطالبة الان ان تعمل بجد لاسترجاع ما تستطيع من اموال منهوبة او عقارات او موجودات لقضايا فساد كبرى ما زالت معلقة وينتظر المواطن الاردني سلوكا حكوميا جادا بفارغ الصبر يريحه ويرسم على وجهه اشراقات امل، وبنفس الوقت مطالبة بجهد متميز وفوق العادة لاقناع الممولين المتعهدين لمؤتمر لندن بالالتزام بالوعود اولا وكذلك الضغط على الدول والصناديق الممولة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي النظر للاردن بطريقة وزاوية اخرى وان يكون اللاجئون هم الوسيلة التي لا بد من المحاربة بها امام العالم.
فالحديث مع البنك الدولي او الصندوق يجب ان لا يكون اقتصاديا بشكله الاساسي بل لا بد وان يكون البعد السياسي اساسه ومنطلقه ما دام البنك يعمل بالاقتصاد لغايات سياسية؟.
حيث الحالة السياسية الان وفي منطقتنا هي الاعظم وهي التي فرضت ركودا اقتصاديا جبريا ليس على الاردن بل والمنطقة باسرها فكيف بالاردن الذي خذله العالم بالدعم والتمويل بينما يتحمل عن العالم العبيء الاكبر رغم ظروفه الصعبة وحالة شعبه المعيشية الاكثر صعوبة.
الرئيس الان بحاجة الى اعادة ترميم البيت الحكومي وان يزيل اي تشوهات قادت وتقود الى حالة التوترالتي نشهدها بين النواب والحكومة كذلك التخلص السريع من حالة عدم التوازن والانسجام بين اعضاء الفريق الواحد والتي ظهرت للعيان وساهمت باضعاف مستوى المصداقية بالحكومة وسنحت المجال للالسن والتعليقات المتربصة لان تنهش في لحم الحكومة وبقائها.
اعتقد بان على الرئيس ان يأخذ نفسا عميقا وان يقييم ما حصل وان يرسم خارطة الطريق للعودة للمسار السليم فرغم الصعوبات والتعقيدات الموجوده، الا انه بالامكان اللاحاق واعادة التصويب وهذا يتطلب سرعة القرار وحسن الاجراء.