«حرب الإعلام» على روسيا وقلق سفيرها «بالوتين»
د.حسام العتوم
09-01-2017 11:54 AM
قبل دعوتي للمشاركة في المؤتمر الصحفي والإعلامي لسفير الفدرالية الروسية بعمان باريس بالوتين تاريخ 21/ كانون اول/ 2016 في مبنى السفارة وبحضور نخبة من اعلاميين اردنيين للاستماع منه مباشرة ومحاورته حول (حرب الاعلام) على بلاده روسيا، والتي هي اشد من الحرب الدائرة في جوارنا العربي في سورية او تعادلها حسب اعتقادي، كان يخطر في ذهني ان اكتب مقالاً منصفاً لروسيا في حربها ضد الارهاب خارج حدودها وفي داخل الوطن العربي السوري تحديداً، وتفسير معنى وقوفها الى جانب الدولة السورية، وعدم الانحياز لروسيا ذات الوقت بطريقة (العيون التي لا ترى ابعد من الانف).
وأن احترم الرأي العام السوري والعربي بالمجمل الذي لا يتفهم حتى أخطاء الحرب الروسية هذه إن صح التعبير، وان كان سعادته محقاً في توجهه هذا خوفاً وقلقاً على مصير وحياة المواطنين السوريين الابرياء المسالمين ومنهم الاطفال، وفي المقابل فإن اعلان وزير الدفاع الروسي (سيرجي شايغو) تاريخ 22/كانون اول قتل 35 الفاً من المقاتلين الارهابيين في سورية منذ بدء الحرب الروسية هناك جراء تنفيذ جيشه لـ 71 الف غارة جوية، وتدمير 725 من مخيماتهم التدريبية، و 405 من مصانعهم للمتفجرات، و150 من تجهيزاتهم العسكرية، وتصفية 204 من القيادات الارهابية اثار تخوفاً وسط العرب من ارتفاع عدد ضحايا المدنيين السوريين.
ولقد ركز السفير بالوتين حدثيه في مؤتمره الصحفي على شراسة الحمله الاعلامية ضد بلاده روسيا واصفاً اياها بالأكاذيب وبالصور المزورة للحقائق، وضرب مثلاً كيف ان رجلاً في مصر يصنع صوراً لأطفال (حلب)، وبث صوراً غيرها لأحيائها الشرقية وهي تتعرض للقصف الجوي الروسي العسكري، بينما هي اوقفت قصفها هناك منذ 8/10/2016، وتساءل عن الحقيقة، ولعدم وجود ادانه دولية لروسيا منذ شهرين، وهو ما يؤكد قوله السابق هنا وكيف ان روسيا اعلنت هدنة انسانية لصالح المدنيين والمقاتلين في حلب افشلها تعدد الفصائل المقاتلة واختلاف هوياتها، ولا يريد الكثيرون في المقابل ملاحظة حجم المساعدات الانسانية الروسية لحلب ولكل سوريا، وبأن موقف روسيا مبدئي الى جانب الحل السياسي بالاستناد الى قرارات مجلس الامن والأمم المتحدة، والى ضرورة وقف اطلاق النار وإيجاد حل للازمة الانسانية بواسطة العمل المشترك مع تركيا وإيران.
واستند السفير بالوتين على تصريحات وزير خارجية بلاده (سيرجي لافروف) التي اكدت اجلاء غالبية المدنيين في حلب الشرقية الراغبين في الجلاء الى جانب عدد من فصائل المعارضه، وكشف بالوتين عن صدور اعلان وبيان في موسكو بعد اللقاء الثلاثي المشترك مع تركيا وإيران ايضاً والذي اظهر الرغبة في محاربة تنظيمي (داعش والنصرة) تحديداً، والعمل للتوصل الى اتفاق بين المعارضة السورية ونظام دمشق مع استحالة الحل العسكري بكل الاحوال.
وواصل السفير بالوتين تأكيده لأهمية قرار مجلس الامن (2254) حول سورية عبر مرحلة انتقالية تحددها صناديق الاقتراع والدستور الجديد والانتخابات النزيهة تحت رقابه دولية، (انتهى الاقتباس).
وهو الامر الذي يؤكد لنا من جديد والكلام هنا لي بعدم تمسك موسكو بشخص الاسد الرئيس كما يشاع اعلامياً وإنما بورقة الدولة السورية ووحدة تراب اراضيها ولمنع الارهاب الذي قدم اليها من 80 دولة ومنها روسيا نفسها بعد تجنيده من قبل حزب التحرير وداعش من الصعود للسلطة في دمشق، وعدم السماح له للعودة الى العمق الروسي للتخريب والنخر هناك في ومن بدأت فيه روسيا باستقبال ضحاياها من الارهاب بهيئة اطباء وجنود وضباط وكان اخرهم حادثة إغتيال السفير الروسي في انقرة اندريه كارلوف المؤسفة، ولفت السفير بالوتين الاهتمام وبذكاء لعملية قلعة الكرك الارهابية الاخيرة، وأعرب عن وقفة بلاده روسيا الصادقة الى جانب الاردن قيادة وشعباً، وبين كيف ان الارهاب يضرب في كل مكان هنا في الاردن وفي المانيا، وفي تركيا ووسط العرب، ونوه الى اهمية توحيد الجهود الدولية ضد الارهاب عبر جبهة موحدة، وهو قتراح صدر عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حسب قوله، واصفاً الارهابيين بخوارج الاسلام وبأنهم لا يمثلون حقيقته (انتهى الاقتباس)، وتعليقي هنا هو ان دول العالم الكبيرة مثل روسيا وغيرها اصبحت تعي خطورة الارهاب المعاصر اكثر من أي وقت مضى، ولها في عمق التاريخ تجربة مريرة معه، فلقد بلغت فاتورة الحرب الوطنية العظمى (الثانية) فقط من اجل طرد ارهاب ادولف هتلر 1940/1945 27 مليون قتيل، وهي أي روسيا جاءت لسورية وعبر مصلحتها القومية والإستراتيجية العسكرية والأمنية والاقتصادية لطرد الارهاب، ولديها حرص كبير على عدم الحاق الاذى بحياة المواطنين، والعقلية السياسية والعسكرية الروسية اكدت ذلك مراراً وها هي امثلتي الواقعية اسردها هنا من دون رياء ولا مبالغة مع قناعتي بالوقوف الى جانب تسليح وتدريب الجيش العربي السوري شريطة أن لا يتطاول قانوناً وعلى الارض على ناسه وشعبه، وعقد لجنة تقصي حقائق دولية نزيهة عند انتهاء الحرب لتبيان الحقيقة والشروع بالسلام الحقيقي بعد طرد كافة صفوف الارهاب المدمر والمجرم.
وكتب رئيس الفدرالية الروسية فلاديمير بوتين في مؤلف حمل اسمه (افكار عن روسيا. الرئيس عن الاكثر اهمية. ص.9: نحن دائماً حريصون على حل المسائل الخلافية والقضايا المطلقه بالطرق السلمية والدبلوماسية، ولقد جرّبنا اكثر من مره اطفاء شعله نيران الصراعات الساخنة)، وسبق للجنرال الميداني الروسي ايغور كوناشينكوف ان قال بأن سلاح جو بلاده كان يعود عندما يرصد تجمعات سكنية في سورية، وفي تصريح حديث لوزير خارجية روسيا سيرجي لافروف قال بأن تحرير حلب بلا شك مرحلة هامة على طريق تنظيف سوريا من الارهابيين، وأورد البيان الختامي للخارجية الروسية لعام 2016 بأن المهمة التي تقف امام سوريا الان هي مواجهة الارهاب الدولي، وفي قول حديث لماريا زخاروف الناطقة باسم الخارجية الروسية بأن بلادها روسيا تمكنت من تطهير مساحات واسعة في حلب من الالغام بعد تحريرها، وبأن الحديث عن رحيل الاسد اصبح شيئاً من الماضي، وفي لقاء ضم الرئيس بوتين ووزير دفاعه سيرجي شايغو تاريخ 23/12/2016 تحدث عن اقتراب بلاده روسيا من التوصل لاتفاق شامل لإطلاق النار في سورية بعد تحرير حلب، وبأن مشاركة حاسمة من جانب العسكريين الروس جرت في تحرير حلب وشكلت احد اهم عوامل التطبيع الكامل في سورية (أي التسوية السلمية)، وتمكنت روسيا من تحقيق نجاحات ملاحظة في مؤتمري جنيف 1، و2 لتثبيت ورقة السلام على الطاولة السورية بين نظام دمشق والمعارضة الوطنية وفق معايير مرنه تخلص الى حلول الوسط رغم المعيقات الخارجية العربية منها والدولية كذلك خاصة الغربية منها.
ولقد سلط السفير الروسي بعمّان بالوتين الضوء في مؤتمرة الصحفي والإعلامي سابق الذكر على اهمية تعاون بلاده روسيا مع الاردن ودول المنطقة في مجال البحث عن حل سياسي عادل للأزمة السورية العالقة (انتهى الاقتباس). وهنا يحضرني قول لسيدنا جلالة الملك عبد الله الثاني (حفظة الله ورعاه) على هامش زيارة دولة قام بها جلالتهُ لاستراليا بتاريخ 23/ تشرين الثاني/ 2016، حيث قال: بأن غالبيتنا ممن يفهمون الازمة السورية يدركون انه لا يمكن ايجاد حل لها بدون الروس). وواصل السفير بالوتين قوله انذاك بأن روسيا مستعدة للتعاون مع الطرف الامريكي في شأن الازمة السورية لكن اتفاقاً لبلاده مع وزير الخارجية جون كيري في شهر/ فيراير 2016، وفي شهر/ سبتمبر/2016 استمرت محادثات جنيف مع جون كيري 16 ساعة متواصلة لوقف اطلاق النار في سورية ولمحاربة الارهاب وبعدها فوجئنا بضرب امريكا للجيش السوري في دير الزور، ولاحظنا بعدها والكلام هنا للسفير بالوتين بوجود تيارات سياسية مختلفة في امريكا حول الازمة السورية، وقدم جون كيري ايضاً وثيقة لعمل مشترك مع روسيا لحل اشكالية حلب في سورية لكن الجانب الامريكي سحب مقترحاته لاحقاً، وأعرب بالوتين عن استعداد بلاده للتعاون مع امريكا (ترامب) (انتهى الاقتباس).
وتعليقي هنا من جديد هو بأن التسلسل الزمني للازمة السورية منذ اندلاعها عام 2011 وتحرك رمالها قبل ذلك عام 2010، وانفجارها في مدينة (درعا) المحاذية لحدودنا الاردنية في الشمال وتحول شعارات الغضب الشعبي فيها من محاربة الفساد الى (اسقاط النظام) وانشطار شظاياه الى داخل المدن السورية وفي مقدمتها (اللاذقية)، و(دوما)، و(داريا)، و(حمص)، و(بانياس) وصعودها على متن شبكة التواصل الاجتماعي الفيس بوك، وتورطها في وحل السلاح الكيماوي، وعيون امريكا نيابة عن (اسرائيل)، وعن دول المنطقة محدقة في اتون الحراك السوري، وقبل الوصول وبجهد روسي ملاحظ وبالتعاون مع امريكا الى اصدار قرار جماعي من مجلس الامن رقم (2118) لإدانة استخدام الاسلحة الكيميائية في سوريا والعمل على تفكيكه لاحقاً، كانت امريكا تحرك الرمال العربية وتعمل علناً وسراً على اصدار الخطة التي عرفت بـ (ب) والتي هدفت لتحريك حلف (الناتو) العسكري بقيادتها من اجل التخلص من الاسد ونظامه على غرار فعلتها في العراق وفي ليبيا، ومن ثم انتهجت أي امريكا سياسة المراوغة فألبست الخطة (ب) بكامل هدفها الفوقي والسرابي للعرب واكتفت بالمراقبة من بعيد بالتعاون مع عشيقتها (اسرائيل).
ولولا (الفيتو) الروسي الصيني المشترك الاول في وجه الازمة السورية عام 2011 لتكررت المشنقة التي نصبت للرئيس صدام وبعده عملية الاغتيال للقذافي في دمشق، وكررت روسيا لأربع مرات اخرى (الفيتو) لحماية نظام دمشق من العقوبات ومن محكمة الجنايات الدولية، بتهمة جريمة الحرب، ولمنع التدخل الفرنسي الاسباني في حلب، وألان الامل الروسي اصبح معقوداً اكثر على امريكا الجديدة في عهد (دونالد ترامب) القادم، وتفاؤل كبير للرئيس بوتين وللقيادة الروسية بهذا الاتجاه بهدف السيطرة على ملفات دولية عديدة عالقة ومنها الملف السوري، وهنا استغرب امتناع امريكا عن التصويت في مجلس الامن لصالح قرار صوتت عليه 14 دولة عالمية في مقدمتها روسيا من اجل تجميد المستوطنات اليهودية على ارض فلسطين، وامتناع مصر عن المشاركة في التصويت بقي غير مفهوم حتى الساعة، فمن هم اصدقاء العرب الحقيقيون روسيا التي تحاط بالاشاعات الاعلامية السوداء المغرضة ام امريكا المدللة حامية الاحتلال الاسرائيلي؟ اما آن للعرب ان يعلنوا توحدهم حول قطبهم الفدرالي الواحد لمواجهة اطماع الخارج؟ دعونا نتأمل. وفي الختام أحر العزاء للدولة الروسية الصديقة لنا هنا في الاردن ولكل العرب، ولشعبها الروسي العظيم بحادثة اغتيال السفير الروسي اندرية كارلوف في انقرة، وبسقوط طائرة الفرقة العسكرية الموسيقية (الكسندروف)، والطبيبة الانسانية المشهورة (ليزا) وطاقم من الاعلاميين فوق البحر الاسود بالقرب من شواطئ مدينة سوتشي ووفاتهم جميعاً.
الراي