شهد لبنان رغم كل ما يمر به من أزمات تجربة رائدة تستحق الاشادة، هي افتتاح عدة مطاعم مجانية شعارها ممنوع ان يموت الانسان جوعا، والمساهمون في هذا المشروع ليسوا الاغنياء فقط، فقد اتيح لكل من يشاء ان يحافظ على توازنه الاخلاقي والوطني المساهمة .
انها عيّنة مما سمي في عالمنا العربي التكافل الاجتماعي، هذا الشعار الذي بقي ممنوعا من الصرف، وحلّ مكانه النقيض وهو التآكل الاجتماعي والسياسي معا .
وهذه مناسبة اخرى للتذكير بما كتبه طه حسين قبل ستة عقود تحت عنوان اغنياؤنا واغنياؤهم وكان يقارن بين ما يقدمه الاثرياء في اوروبا وفرنسا بالتحديد حيث كان يعيش وهو طالب وبين ما يقدمه اثرياء العرب ! وتوصل اخيرا الى سلسلة لا آخر لها من علامات التعجب ولو عاش حتى ايامنا وعرف ما قدمه اثرياء من طراز بيل غيتس لاعاد النظر في مقالته وجعلها اشد ادانة وقسوة !
مطاعم لبنان المجانية ليست طارئة فقد شهدت بيروت في ثمانينات القرن الماضي نمطا من المطاعم شبه المجانية منها ما كان يقدمه اتحاد نساء فلسطين، واذكر ان من اخبرني بذلك كان سياسيا ومثقفا عربيا قرر ان يعيش حرا هو الراحل د . سامي الجندي وقال لي يومئذ انه يتناول وجبته الرئيسية في ذلك المكان لأن دخله كان محدودا ان لم يكن معدوما في بعض الاحيان !
ان مبادرات كهذه قد لا تعني شيئا لمن يعيشون لأنفسهم فقط ويقولون ليكن من بعدنا الطوفان، لكنها ذات دلالات انسانية ووطنية تمهّد لاعطاء شعار التكافل الاجتماعي معناه ، والنسب المتفاقمة من الفقراء واللاجئين والاميين من العرب تستفز من لم يفقد انسانيته وما يزال على قيد ضميره .
ولو قرأ الفقراء العرب وهم بعشرات الملايين ارقام مجلة فوربس واسعار الطائرات الخاصة التي يملكها اثرياؤهم لفقدوا ما تبقى لهم من رشد !!
الدستور