راكان المجالي .. يكتب مودعاً "السفير" و "المجد"
راكان المجالي
08-01-2017 09:08 PM
بينَ «السَفيرِ وطلَالِها» و«العروبَةِ» رُفوف «غَرانيق
ليسَ هناكَ ما هو «أغلى»، و«أفدحُ»، من «رأس المال»، اللازم لتأسيس صحيفة في لبنان، المسجّل والمدفوع. ذلك ما عرفه مبكّراً كثيرٌ من زملاء الصحافة في لبنان، وعلى رأسهم الصديق «طلال سَلمان». فإذا كان رأس المال المطلوب للصحيفة، في معظم بلاد العرب أوطاني، مالاً سائلاً، فإنّه، في لبنانَ، يكون «دَماً وأرواحاً»، بالإضافة إلى المال التقليديّ اللازم لعمل المؤسّسات. تلكَ كانت معادلة حكَمت صحافةَ العربِ في لبنان، طوال القرن العشرين الطويل. فهل تغيّرت معادلةُ العربِ تلك، فيتوقّفَ الدمُ. ويعود المالُ سَيفاً مصلتاً، من جديدٍ، على رقاب أصحاب الفكر والثقافة والصحافة..!؟
عَلَى العربِ أن يُجيبوا على أسئلة العَصر كلّها اليوم؛ تقنيّة ومعرفيّة وسياسيّة ووجوديّة. ومنها سؤال الصحافة الداميّة، في بلادهم، وعلى رأسها لبنان، إنْ هُم أرادوا البقاءَ والاستمرار ..
نعم. ثمنٌ فادحٌ، هو رأسُ مال الصحافة والصحافي في لبنان. وهو ما دفعته «السفيرُ» أكثر من مرة، كمؤسّسة ومقرّ، ودفعهُ طلال سلمان، في محاولة اغتياله الفاشلة في العام 1984.
علاقتي بـ«السفير»، وبـ «الصديق طلال»، تمتدُّ إلى ما قبلَ تأسيسها، أي إلى أوائل العُمر الصحفيّ الحيّ، حين كان يعملُ على تأسيسها، وحين جئتُ إلى بيروت، نبحثُ عن المعرفة التقنية، لتأسيس صحيفة جديدة في الأردن، في مطلعِ سبعينيّات القرن العشرين. وحينَ طَوى الزمانُ الصحفيُّ صفحتهُ، سريعاً، وانطلقتْ السفيرُ، بصوتها العربيّ الشَجيِّ الرَخيم، كُنتُ أعملُ على إنشاءِ صحيفةِ «الأخبار الأردنية» الموءودة.
ومَا بينَ «وَأدٍ» وَ«وَأدٍ» رَسول..!؟
وتطوي الأزمانُ أصحابَها، ولا تَنطوي، لأكتبَ، في السفير، أسبوعياً، وبمعيّة الصديق الكريم والنبيل «نصري الصايغ، في مطلع ما سمّي رَبيعاً للعرب، إلى أنْ توقَّفتُ، باستلامي لموقع وزير الإعلام في الأردن، في العام خريف العام 2011، بحكم القانون المحليّ، الذي يحظرُ على الوزيرِ الكتابةَ الدوريّةَ في الصحف.
هيَ السفيرُ، التي لا تُمكنُ الكتابةَ عنها إلا باستعادة أزمانِ العربِ الحديثة كلِّها؛ سياسةً وخيباتٍ وآمالاً مخذولةً لا تنقطع. نعم، هيَ السفيرُ التي قطعتْ مسافاتِ العرب الطويلة، ومفازاتها، في «بَوَاديَ» كلِّها حقول ألغامٍ، ضَيّعَ اللاعبون، المحليّون والعرب والإقليميّون والدوليّون، خرائطَها، أو قُلْ: إنّهم، أصلاً، لم يكترثوا لوضعِ تلك الخرائط..!
صَحيحٌ أنَّ السفيرَ نَجَتْ من انفجارات العرب في لبنان، ومن انفجارات لبنان على نفسه، وفي نفسه، غير أنّها أصيبتْ في جوارحها وأطرافها، بل في كلّ جَسدها. وَحدَهُ، قلبُ السفيرِ العروبيُّ النقيُّ، وَعَقلُها، وَبوصلَتُها، التي لم تُشِرْ، يوماً، إلّا إلى «سَمْتٍ واحدٍ فقط» هو «فلسطين».. تلكَ التي لم تصلها الشظايا..! وكأنّ تلكَ الجوارح كانت محصنّةً بتمائمَ وأساطيرَ مغرقةً في دهريةِ العَرب..! أو ربّما هيَ تلكَ «الفلسطينُ العاربةُ»، التي ما تمسّكَ بها أحدٌ، في تاريخنا الحديث، إلا وأثخنتهُ بالجراحِ، مع إيصاله إلى «المرفأ العالي»، حيث لا تصل المياه؛ حيث مرفأ المَشرق العربيّ، الذي شيّدتهُ الأساطيرُ، وحطّت على بقايا مَراكبهِ «الغرانيقُ». ذلكَ كان المركبُ الصعبُ الذي ارتقته السفيرُ. وهذا هو المرفأ المتوسطيُّ الكنعانيُّ العجيبُ، الذي قادت جوارحُ السفيرِ، التي ما أصابها وَهنٌ، رُكّابَها إليه؛ جارحةُ القلبِ والعقلِ والعروبةِ وفلسطين.. فطُوبى لَها، وطُوبى للجوارحِ المُثخنةِ، غيرِ المعطوبة، وطُوبى للعروبةِ والسفيرِ وفلسطين.
أمّا هوَ، «طلالُ السفيرِ»، العربيُّ النبيلُ، فحكايةٌ أخرى، أطولُ من أن يسَعها حيّزُ السَردِ هُنا. لكنّها تستحقُّ أن يُشار إلى بعضٍ من ملامح أزمانها..
فقبل نحو عامين، كَرّمتْ «مصرُ الصحافةِ ثُلةً من الصحافيين العرب والمصريّين، ومنهم الراحل الكبير «محمد حسنين هيكل»، و«طلال سلمان» أطال الله في عمره، وأنا. اعتذر هيكل، كعادته، عن الحضور، بسبب ظرفٍ صحيٍّ، اقتضى مرافقة زوجته في لندن، لكنّه هاتَفني، من هناك، بكلّ لياقاته الإنسانية المعروفة. وقال كلاماً كثيراً، ليس هذا أوانُ ذِكرهِ كلّه، وفيه أشارَ إلى «جدارةِ التكريمِ» لعدد محدودٍ من الصحافيين العرب خارج مصر، واضعاً اسمَ طلال سلمان في أوّل هذا البعض القليل، واستحي، هُنا، أن أشيرَ إلى إينَ وضعَ الأستاذُ هيكل اسمي...
والحقُّ، أنّ تجربةَ صديق العمر، والمحنةِ، الأستاذ طلال سلمان، مريرةٌ. وأينَ كانت تجربةُ العربيِّ، في الثقافةِ والمعرفةِ، ليست محنةً ومَريرةً..!؟
طُوبى لـ«السَفيرِ». وطُوبى لـ«طلالِها». ولحديثهما صِلاتٌ لَن تنقطعْ.. ما دامَت «العروبةُ»، وما دامَت «فلسطينُ»، ومَا دامَ «وفاءُ الرِجال للرِجالِ»، في دُنيا العَرب.
“المجد” حلم مشترك
يقول الشاعر الانجليزي وليم ويردزويرث: “في البدء كان الكلمة ثم كان الحوار اكبر هبة للانسان ثم كانت الكتابة أعظم ما صنعت يد الانسان، وبعدها كانت الطباعة الانجاز الكبير في نشر الكلمة وتوثيقها، ثم جاءت الصحافة فوهبت الانسان مملكة شاسعة واسعة لنشر الحُب والسلام والتلاقي”
ولا يتسع هذا المقال المقتضب الحزين لاستعادة تغني العظماء في الصحافة التي يصفها الشاعر و المفكر اللبناني العالمي جورج شحادة : ” بأنها كل يوم ميلاد و كل يوم قيامة” ويقصد هنا الصحافة اليومية، اما الاسبوعية في رأيه ايضاَ كل اسبوع ميلاد وكل اسبوع قيامة….. وعشيات الميلاد نفتقد تجدد ولادة ” المجد” القومية التقدمية اسبوعياً، ونفتقد ولادة “السفير” اللبنانية اليومية الجريدة القومية التقدمية، ومأساة الصحافة العربية الورقية سواءً من تختفي او تتلاشى تدريجياً هي جزء من الفاجعة الكبرى التي تضرب الوطن العربي منذ سنوات فتنهار دول ومجتمعات ومؤسسات، وينهار النظام العربي بمجمله ثم تنهار انظمة او تتحلل من الداخل، وتبدأ الفوضى بالتفشي.
قبل خمس سنوات كتبت مقالاً في جريدة السفير اللبنانية عما تخطط له اميركا المتصهينة، تحت عنوان : “تخليق الفوضى وتفشيل الدول” والعنوان يغني عن سرد كل التفاصيل التي يعرفها ويعيشها الجميع.
اما عن “المجد” ووأدها فلدي عاطفة خاصة تجاهها ذكرتني بالظروف الضاغطة التي أدت الى وأد جريدتي اليومية، وقد بدأت حلم “الاخبار” مع كوكبة طليعية مثقفة وكان اخي فهد الريماوي الى جانبي منذ بدايات الحلم الى يوم الصدور، اما بخصوص “المجد” فأكاد اقول انني واياه فقط حلمنا سوياً حيث شاركته في الفكرة والحلم، كان هو متحمساً وكنت متحفظاً، وألح ان نتشارك فاعتذرت ولكنني وعدته انني سأكون معه بكل ما يريد تحريرياً حتى تقف الجريدة على قدميها، وهكذا كان حيث استمررت في الكتابة بها طيلة عامها الاول، وبعدها دام تواصلنا وكنت اغبطه على تصميمه وصموده وقدرته على الاستمرار في هذا الليل المدلَّهِم الذي يلف الوطن العربي، والاعاصير التي تقتلع ممالك هذا الوطن وقلاعه، وكل ما هو حزين ومؤلم يعصف بالصحافة الى جانب عصفه بكل مقومات ومكونات هذا الوطن العربي الذي يتدحرج – بكل اسف- على طريق الهاوية !!