لطالما كان الوطن الملاذ الأكثر أمناً، الأكثر صدقاً، الأكثر دفئاً مع ابنائه، ولطالما تغنّى الشعراء بأوطانهم وتلذذ الكتاب في الحديث عن اشواقهم لأهلهم، ومع مرور الزمن وتبدل الثمن بات الوطن للبعض سلعة وللبعض الآخر لقمة، وبين تاجر وجائر وحاضن وخائن، وبين مزايد وحاقد، مشكك ومربك، مخلص ومؤمن، عفيف وشريف تساءل البعض هل الوطن برسم البيع؟ وكم هو الثمن الحقيقي للوطن؟ ومن البائع ومن المشتري؟
لقد أصر البعض بين الحين والآخر على المتاجرة باسم الوطن ضاربين مستقبله عرض الحائط وتحت مسميات متعددة، فرأى بعضهم نفسه منقذاً للدولة، ورأى البعض الآخر أنه صاحب المصادر المطلعة والموثوقة ليسجل اسمه في سجل الحضور، بينما اكتفى البعض بالمشاهدة، وبين منقذ ومطلع ومشاهد تباكى الوطن والمواطن على بعض ابنائه الذين تقدموا الصفوف في الجاهات والمناسبات، الندوات والفضائيات وتسابقوا على بيع الوطنيات واغتيال الشخصيات بين بعضهم البعض !
لم يدرك البعض أن الوطن كان ولا يزال أكبر من كافة الاسماء الشخصية والألقاب الحصرية وإن أدمت بعض شخصياته جسد الوطن فبات متخماً بالجراح ينتظر بلسم الشفاء تارة والرفق بحاله تارةً أخرى، وعلى الرغم من الجراح الا ان للإصلاح اشخاصه وعلى الرغم من قلة ظهورهم اعلامياً الا ان لهم أثراً ايجابياً في تقديم الصورة الامثل للوطن الذي يريده المواطن، الوطن الذي يحتوي الغني والفقير، الكبير والصغير، الوطن الذي يؤطره العمل المؤسسي ويحكم ابناءه العدالة والقانون.
كفى، كلمة تنادى بها أبناء الوطن في كثير من أوقاتهم لمن سرق الوطن باسم الوطن فأضحت تجارتهم العاطفية غير قابلة للشراء واستخفافهم بعقول وعواطف المواطنين أمراً غير مساغ فأصبح ظهورهم كمن احترف التهريج في يوم العزاء.
لقد أُشبع المواطن عبر أيامه ولياليه بتحليلات سياسية وتقارير إعلامية كانت تتحدث عن هم المواطن والوطن، جانب اغلبها واقع الطرح أو المضمون فغدت أقوالاً تتداول عبر المجالس ولم تقدم في رصيد إنجازات الوطن إلا الاقوال!
إن المواطن الغيور على مصلحة الوطن هو من يتحرك قبل وقوع المشكلة لا بعد حدوثها، وهو الذي يؤمن بعقل المواطن لا الالتفاف عليه بعبارات براقة مستغلاً في كثير من الحالات طيبة المواطن الذي أرهقته دفاتر الأيام السابقة بتضحيات هنا وهناك فبات متخماً بالأمنيات والتطلعات لواقع معيشي أفضل ومعلومات أدق ومستقبل أكثر وضوحاً وأمناً !
لقد أراد البعض ممن ادعوا الوطنية ان يسجلوا عبقرياتهم الفذة في التحليل وجلبه للمعلومات بل وبيعه للعواطف والتجليات، وشتان بين أن تزرع الأمل وتسقيه ليصبح غابة من الوعي والعمل وبين أن تبيع الكلام لتحصد شعبية ما.
أخيراً وليس آخراً وعلى الرغم من دقة الوصف والهدف وأسماء الأشخاص، يدرك الجميع أن الوطن يمر في مرحلة حرجة تستدعي الوقوف لكافة أنواع المزايدات الوطنية وأن يكون الفصل في العمل لا القول حتى يتقدم الوطن في إنجازاته لا في أقواله.