السفيرة الأمريكية وألاعيب الرأي المُضَلِّل
فايز الفايز
08-01-2017 12:37 AM
ليس من المعقول أن تصل جراثيم الكراهية الى حد تعطيل خلايا المخ في عقلية الجماهير حتى أصبحت الأغلبية منقادة خلف الأكاذيب والروايات الملفقة والدس الخبيث، حتى لتظن أن البعض يفرحون في تربية فئران متوحشة داخل بيوتهم تقرض كل ما يملكونه وهم يتشدقون وهذا بات واضحا خلال عام مضى، فمن الخبرة الطويلة بتنا نعرف مصداقية الخبر أو الشك فيه قبل استقباله ومع هذا لا يزال كثير من الناس يصرّون على تصديق الأكاذيب ويعيدون ترويجها ليزداد حجم كرة النار جرّاء دحرجتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، والسكوت خوفا أو طمعا عن جهات تتحمل المسؤولية الحقيقية والمشاركون في تأجيج الكراهية ضد الأبرياء، وتضليل الرأي العام
آخر نسخ الأكاذيب التي باتت تتفجر في الأوساط الشعبية هي تصريحات منسوبة الى السفيرة الأمريكية بعمان «أليس ويلز» وفحواها أن واشنطن ستعيد النظر بالمساعدات السنوية التي تقدم للأردن، وعلل الخبر المضلل السبب في أن واشنطن قد خاب ظنها بالوعود الأردنية المقطوعة لإدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما المتعلقة بالسيطرة على العاصمة السورية دمشق، مقابل المساعدات البالغة 750 مليون دولار، وبالطبع سارعت السفارة يوم الجمعة الى إصدار بيان تنفي فيه ما ورد في الخبر الكاذب الذي تم رصده عبر مواقع إخبارية خارجية، ومع هذا هناك من لا يريد أن يعرف الحقيقة إنهم يحبون الأكاذيب.
الخبر لا يغدو عن كونه رواية مضحكة وهناك من السياسيين والإعلاميين من يعشقون تلقف أي وسوسة أو وشاية غير صحيحة خصوصا عندما تكون الرواية محبوكة لدرجة تصديقها من قبل الدهماء والأكثر «حكاً على جرّب» عندما يتعلق الخبر بالأموال، عندها تتلبد سماء المملكة بالسحب الآراء السوداء و ويمطر الفضاء بأفواه تصرخ وتتهكم وتتشفى دون أدنى وعيّ أو أمانة، ولا يدافع أحد عن أي جهة أو مصلحة عليا للأسف إلا إذا كان قد قبض ثمن دفاعه بأي طريقة، بينما تجد أصحاب الرأي وأهل الخبرة والدراية حائرين وخائفين من ردة فعل الرأي العام الاتهامي، وهذا أمر خطير يصل حد ضرب بنية المجتمع فكريا وأخلاقيا وسلوكيا.
الجميع يعرف أن العلاقة بين الأردن والولايات المتحدة بدأت منذ إلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية عام 1957 ومن بعدها توجهت العلاقات الأردنية نحو الولايات المتحدة القطب الأقوى عالميا، وتخلل العلاقات العديد من الخلافات الاختلافات نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي، وظهر ذلك خلال حرب 1967 وعام 1974 عندما رفضت واشنطن بيع الصواريخ للأردن، فتوجه الرئيس زيد الرفاعي الى موسكو مباشرة من واشنطن وعقد صفقة صواريخ سام7، وعند وقوع كارثة 1990 بعد احتلال العراق للكويت والحرب والحصار ضد العراق، ولكن في الآونة الأخيرة لم تكن عمان متفقة تماما مع إدارة الرئيس أوباما، فقد كان يدير حروبه من خلال الميكرفون ، ويريد من الآخرين وخصوصا الأردن تحمل عواقب الحرب في سوريا.
لم يكن الأردن مطواعا لكل ما كان يطرح على الطاولة لذلك كان الملك حريصا ودقيقا في تعامله تجاه القضية السورية وكذلك كان قادة المؤسسات المعنية العليا، فالاستقرار في دمشق والقضاء على الجماعات الإرهابية والحفاظ على الأمن العسكري عبر الحدود و جنوب سوريا، وسلامة المدن والسكان من الأشقاء السوريين في غرب درعا وحتى شرق السويداء من خطر الجماعات الإرهابية والقوى المسلحة المتشظية، والهدوء على حدودنا الشمالية وأكثر من ذلك كان هدفا استراتيجيا للإدارة الأردنية العليا ولا يتعلق ذلك بالمساعدات بل بضمان أمن وسلامة الأراضي الأردنية والمواطنين الأردنيين وعدم انتقال الفوضى المبرمجة الى حدودنا، ووقوع مآس إنسانية جديدة أمام أجهزة الرصد العسكرية الأردنية التي أنقذت ما يزيد على مليون ونصف سوري كانوا عرضة للموت بلا سبب أمام أعينهم.
بصراحة، كنت أسأل نفسي أحيانا: الى متى تبقى الولايات المتحدة صابرة على أوضاعنا السياسية الفوضوية، فنحن نريد منها أن تتدخل لإنهاء صراعات العرب التي تنشب جرّاء العقلية المتخلفة في مراكز الحكم العربية وانفجار الفوضى التي تغذيها الإشاعات والأخبار الكاذبة وقوى الفساد وانعدام العدالة واستبدال الصالحين بالمعاقين فكريا والجهلّة، ثم نشتمها ونتهمها بمعاداتنا ونحرض ضدها عندما تهدأ الأوضاع وتتكشف الحقائق.
الرأي العام بات مرهونا بمضخة أكاذيب وإشاعات وتحريض موجه ويجب عدم ترك أي خبر كاذب يمر دون الرد عليه بسرعة، فنحن نخشى إصابتنا بالشيزوفرانيا جراء ما نرى ونسمع.
الراي