-1-
نتوق كأي إنسان، إلى استنشاق أنفاس الكستناء إذ تهب مبكرًا، ونحن في مزاج مستقر رائق، نستشعر حلاوة النظر إلى الأفق، لحظة شفق ما، أو خوض مغامرة صبيانية على دراجة هوائية في غابة ما، بصحبة ممتعة، أو استلقاء هادىء متثائب على شاطىء كسول، أو عزلة شاعرية في بيت ريفي، يخلو من أي وسيلة اتصال حديثة، نتوق كأي بشر إلى لحظة يروق فيها ماؤنا العكر، فتستقر الشوائب في القعر، فلا نجد تلك اللحظة إلا في أحلام، تقطعها كوابيس ومطاردات وهمية تنهكنا فتتعرق أجسادنا وتكاد تتفتت عضلاتنا ونحن مستلقون في أسرتنا، فنحن أحيانا، كمن يركض في فراشه!
-2-
ما بالنا يا جارتا، نبكي بلا دمع، ونحرق دمعنا، من قبل أن يهْمي على خد الزمنْ؟ يا جارتا، من قال أنا لا نُحب صبابة الأعياد، ولدنة الحياة، تسكعًا مستلقيًا فوق الرمال، تمردًا ضد المحنْ؟ من قال أنا لا نشف أمام معشوقاتنا، ونحب أنْ.. أنْ نحتسي حتى الثمالة كأسنا، ونوزع القبلات، والضحكات؟ لكننا يا جارتا، لم نستفق من سكرة الأحزان.. إلا كي نعود إلى الكفن! يا جارتا.. لا شيء ينقصنا لنكمل فرحنا.. إلا .. وطنْ!
-3-
ريم تطارد ظلها!
مرت على جسدي تطارد ظلها، تعدو كما يعدو الندى إذ يستريح على الندى! كانت تسامرني وتكتبني وأكتبها، نتكاتب الشهقات والزفرات والكلمات والصمت المعتق في خوابينا، ولا يحلو لها أن تستريح سوى بيني وبيني كلما ارتعشت شفاه الأمنيات! كانت تجيء ولا تجيء .. كأننا ظلين في جسد، جسدين في ظل، نعدو إلينا .. غير أنا لا نصل!
-4-
كتب إليها يقول: أيتها الغائبة وراء سجف الظلام، المتوارية في أسلاك الهاتف، الغافية تحت ظلال الكلمات، المحتجبة في أزرار الكيبورد، النابضة في تكتكات الماوس، اللاهثة وراء مؤشره وهو يركض خلف الكلمات على شاشة الحاسوب، ابقيْ كما أنت كامنة في ملف بلا اسم، واسطعي متى تشائين، وأنى تشائين، وحين تشائين، فأنت تقيمين في كل فاصلة، وتملئين الأفق عند كل إعادة تشغيل وتطلين من وراء كل أيقونة على سطح المكتب!
-5-
كم هو ممتع نور الشمس، ومبهر أيضًا، وكم هي مفرحة تلك اللحظات حينما نغرق في الظلام لعطل ما في الكهرباء .. ثم يعود النور فجأة! في تلك اللحظات التي يلفنا فيها العتم نرى ما لا يمكن رؤيته في الضوء، نرى أحبة طغى على صورهم ضجيج الوضوح، ونستحضر أرواحًا غادرتنا منذ أزمنة سحيقة، ونرى أنفسنا عارية بلا مساحيق ولا أقنعة، نرى ببصيرتنا ما لا يدركه البصر، وحين يعود الضوء ننسى كل تجلياتنا الروحية ونعود للاشتباك مع القشور!
خارج النص:
الأماني والتهاني بالعام الجديد، تشبه القبلة التي يختتم بها «البطل» و»البطلة» بعض الأفلام المصرية، بعد ساعتين من الشتائم والعِراك، والردح!
الدستور