يُقاد للسجن من سب الزعيم وإن سُب الإله فإن الناس أحرار بيت شهير للشاعر العراقي وليد الأعظمي في قصيدة قالها أيام عبدالكريم قاسم حين ازدهرت الدعوات الإلحادية باعتبارها تحررا وتنويرا في ظل نظام سياسي استبدادي دموي. في حين أن التنوير في الغرب أنهى كل المقدسات المتعارف عليها؛ الكنيسة والأديان.. والملكية والحكام.
في الثورة الفرنسية التي يتغنى بها العالم أعدم مع الحكام ألفا قسيس، وفي كوبا عندما فتح الثائر كاسترو ورفيقه جيفارا هافانا تكرر المشهد ذاته.
ظل الدين في العالم العربي والإسلامي مقدسا ومرجعيا في كل المجتمعات. فمَن في لبنان يستطيع المساس بجناب غبطة البطرك أو سماحة السيد أو فضيلة المفتي، وهو البلد الأكثر انفتاحا سياسيا واجتماعيا وثقافيا؟ في لبنان شنت حملات ضد مارسيل خليفة لأنه غنى "أخوة يوسف" للشاعر محمود درويش. والحال في غير لبنان لا تختلف.
الأردن ليس استثناء. فقد سبق أن ثارت إشكالات، قبل إسلام سمحان، على موسى حوامدة ومفلح العدوان وجهاد المومني.. لم تكن تهدأ بإعدامهم وإحراقهم باعتبارهم مجدفين، تنتهي بالتقادم والتسوية على الطريقة العشائرية. والمتضامنون لا يقولون إنهم يريدون تنويرا على الطريقة الغربية ينهي المقدسات، بل يصرون على "احترامهم" للأديان والثوابت والمقدسات.
فإن كانوا كذلك عليهم أن يقبلوا بدور المرجعيات، وهم هنا علماء الدين، وعلى رأسهم مفتي المملكة، وتنتهي المشكلة أو أن يعلنوا رأيهم بصراحة. وهذا يتطلب تغيير الدستور والقوانين، فقبل إحالة الكتاب والشعراء على المحكمة حكم العشرات بتهم إطالة اللسان على المقام السامي, فلماذا الازداوجية على طريقة عبدالكريم قاسم؟
لم تنته المقدسات في مجتمعاتنا، وهي ماتزال فاعلة ومحترمة. وذلك لا يعني غياب التفكير العلمي النقدي. في الإسلام لا يوجد رجال دين، وكلٌّ يؤخذ بكلامه ويرد، ولا عصمة لأحد بعد النبي عليه السلام. يُنتقد شيخ الأزهر ومفتي السعودية ومفتي الأردن ويُناقشون ويُرد عليهم. أما الإسلام السياسي فهو الأكثر عرضة لهجوم الصحافة والكتاب.
فوق ذلك لا بد من الانتباه إلى متغيرين؛ الأول البارنويا التي سببتها الحرب على ما يسمى بالإرهاب. فالمسلمون يعتقدون أن الشاعر او الكاتب تلقى تعليمات من السفارة الأميركية ويربطون بينه وبين أزمة الرهن العقاري.. وما حكاية الرسوم المسيئة عنا ببعيدة.
المتغير الثاني هو الفتنة الطائفية، فنقد بابا الأقباط في مصر غير انتقاد رئيس الكنيسة البروتستانتية في بريطانيا. هل يدري أحد أن توني بلير، ما غيره، غيّر مذهبه من البروتستانتية مذهب الملكية البريطانية إلى الكاثوليكية مذهب المنشقين الإيرلنديين؟
ملاحظة أخيرة، في الغرب كان المفكرون يناضلون ويدفعون حياتهم ثمنا للصراع مع الكنيسة والملكيات. عندنا غدت أقصر الطرق للشهرة والحصول على تأشيرة سفارة غربية هي الهجوم على الإسلام من دون سائر الأديان.
yaser.hilala@alghad.jo
...