تذكرت وأنا أقرأ اعترافات قاتل القبطي "يوسف لمعي" في مدينة الإسكندرية قبل أيام، اعترافات قاتل المفكر المصري فرج فودة، واعترافات منفذ محاولة اغتيال الأديب العالمي نجيب محفوظ.
يقول قاتل التاجر القبطي ويدعى "عادل عبد النور أبو سليمان" الملقب بـ "عادل عسيلة" إنه استند في عملية القتل لفتاوى عدد كبير من الشيوخ يشاهدهم باستمرار على الفضائيات و"يؤكدون دائماً على إباحة دماء المسيحيين ودماء من يبيعون الخمور والمسكرات".
القاتل أصر على أنه غير نادم بل وفخور بقتل "يوسف لمعي" صاحب محل المشروبات الكحولية في منطقة "ميامي" الشاطئية، بل زاد على ذلك قائلاً: "ولو لم تنجح المحاولة لكررتها مرة أخرى. وعندما سُئل لماذا تصدق هؤلاء الشيوخ؟" أجاب "لأن ما يقولونه مصدق ولا يمكن تكذيبه".
أما المفاجأة الكبرى فقد كانت عند اعتراف هذا القاتل بأنه جاهل لا يقرأ ولا يكتب، وأن ثقافته هي ثقافة "سمعية"، وأن "أساتذته" هم شيوخ الفضائيات "الجهلة" أيضاً الذين يحرضون على القتل والإرهاب ويعتبرون كل من لا يتفق معهم "كافراً يتوجب قتله".
يقول القاتل الجاهل وبثقة مطلقة "لقد قتلته تنفيذاً لشرع الله ولكي أقيم حدود الله في الأرض".
تخيلوا أن رجلاً جاهلاً لا يقرأ ولا يكتب ولا يعرف عن الإسلام وروحه وفلسفة تسامحه وقيمه العظيمة أي شيء يذكر، ينصب نفسه حاكماً بأمر الله وممثلاَ له والعياذ بالله وكل ثقافته هي نتاج فتاوى الجهل والتحريض التي يبثها "شيوخ الجهل والفتن".
الحالة ذاتها تكررت مع قتلة المفكر فرج فوده، حيث اعترف أحد المشاركين بالجريمة وهو أبو العلا عبد ربه الذي أطلق سراحه الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي الذي اعترف قبل عقدين من الزمان بأنه شارك في قتل فوده لأنه مرتد وكان يشتم الله والنبي في كتبه، وعند سؤاله ماذا قرأت من كتبه، أجاب وبكل بساطة "لم أقرأ أي من تلك الكتب وإنما استندت لفتاوى الشيوخ ومن أبرزهم الشيخ محمد الغزالي الذي حاجج فودة في ندوة عامة في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وأحرجه حرجاً كبيراً وأظهر وقتها فودة ضعف منطق الغزالي وقام بعدها هذا الأخير بإباحة دمه باعتباره مرتداً عن الإسلام".
أما في محاولة اغتيال الروائي العالمي نجيب محفوظ فيقول الأديب فتحى هاشم الصديق لمحفوظ في إحدى مقابلاته الصحفية:
كان الشاب الذي نفّذ محاولة الاغتيال جاهلًا، قيل له إن نجيب محفوظ مرتد ومن ثم يستحق القتل، لم يقرأ حرفًا واحدًا من أعماله كما أقر في التحقيقات التي أجرتها النيابة، ولكنه مع ذلك قام بتنفيذ ما طُلب منه، وكان تأثير شيوخ الجهل قويًا، حتى أنه لم يندم على ما فعل لا هو ولا شركاؤه في تنفيذ الجريمة التي جعلت محفوظ غير قادر على استخدام يده في الكتابة.
والسؤال المهم ... ما الذي يجمع بين كل تلك الحالات؟ ما يجمع بين الجرائم الثلاث المشار إليها ثلاثة عناصر أساسية:
العنصر الأول: أن منفذي هذه الأعمال الإرهابية إما أنهم جهلة أو أنهم أصلاً لا علاقة لهم بالمعرفة والعلم ولا القراءة ولا الكتابة.
العنصر الثاني: قناعتهم بأنهم يقومون بتنفيذ العدالة الإلهية، وأعطوا أنفسهم الحق المطلق في عمل ذلك.
العنصر الثالث: أن ثقافتهم الدينية وعلاقتهم بالإسلام وبالله هي ناتجة فتاوى وأحكام شيوخ متطرفين أو جهلة حاقدين.
وهذه هي حالة كل من يرى أن له الحق في تكفير الآخرين أو قتلهم، وداعش والداعشية ومعها ولاية الفقية ومنهاج سيد قطب، وابن تيمية كلها تدعم بعضها البعض في إنتاج هذا الإرهاب الفكري والسلوكي الذي بات "سلاحاً سرياً وسحرياً" يُستخدم ويُستثمر من قبل الكل ضد الكل بينما الذي يدفع الثمن الحقيقي هو الإسلام والمسلمون العاديون الأبرياء ومعهم ضحايا هذا الإرهاب من ديانات وملل أخرى.
24.