بشّرت الثورة البلشفية بالانتصار للطبقات المقموعة من العمال، ووعدت بالمساواة بين فئات الشعب، والقضاء على الفساد، تخلصت البلشفية من النظام القديم، فأعدمت القيصر وحاشيته، وأعقبتها حرب أهلية دامت أربع سنين، تلاها إنشاء الاتحاد السوفييتي، وفي التسعينات ثبت فشل النظام الاشتراكي الذي جاءت به الثورة البلشفية فشلاً قبيحاً، وأصبحت البلشفية اليوم رمزاً للحماقة، أي أن الشعب الروسي دفع دمه وماله أكثر من 70 سنة، ثم اكتشف فشل الثورة.
قصة الثورة تتجدد في ذكرى «الربيع العربي»، قرأت عبارات تمتدح الثوار، آخرون يشبهونها بالثورة الفرنسية، ويبشرون بفجر جديد، ويتنبأون بنهضة تأتي بعد الخراب.
ليس غريباً اندفاع البسطاء خلف أكذوبة الثورة، فهم يتعاطفون مع مطالب الشعوب بإحلال العدالة، ومن ثم استدراج البسطاء نحو خيارات سيئة تضعهم في موقف صعب، إما العدالة أو الفوضى.
منح الخيارات المتعددة يشعر البسطاء بالاستقلالية، لتعدد البدائل، ولو وضعت لهم كلمة «فوضى» ثلاث مرات سيختارون إحداها، ثم سيدافعون عنها بشراسة، والحقيقة أنهم لا يدافعون عن الفوضى بقدر دفاعهم عن حريتهم في الإجابة.
البسطاء يرفضون منطق «أن لا خيارات متوافرة»، ويقبلون أن يضع الآخرون أمامهم البدائل غير المنطقية، ثم يرتدون لباس الحكمة ليختاروا الإجابة الأقل سوءاً، وإن عنت الموت والشتات، لذا كان البسطاء يصدقون ما قيل عن الملائكة التي تقاتل في الشام، ويتداولون خبر دخول جبريل، عليه السلام، مسجد رابعة العدوية.
كشف «الربيع العربي» عن خيارات أخرى لم تعرض أمام البسطاء، أولها كان من الأردن، فالمشكلات الحياتية كان يمكن أن تضعهم أمام خيار الفوضى، لكن النشامى اختاروا الأردن، هذا الخيار لم يمنع الأردنيين من الاستمرار في نقد واقعهم الحياتي.
الخيار الثاني، أقتبسه من تغريدة جميلة للفريق ضاحي خلفان: «كان الأولى باليمنيين أن يثوروا ضد القات»، والمعنى خلف التغريدة، أن الله عز وجل بقدرته وعظمته، لن ولم يغير ما بالناس ما لم يتغير الناس أنفسهم، ليكونوا ضد الرشوة، وضد التحرش، وضد الجهل. إشكالية البسطاء أنهم يؤمنون بالعصا السحرية لعروض السيرك، وأكبر ما تفعله العصا هو خدعة إخراج الأرنب من قبعة الساحر، لا ما يعتقده البسطاء بأن شعوب العالم الثالث يمكن أن تتحول بعصا الثورة إلى شعوب أسكندنافية.
الخيار الثالث، هو أن التغيير يكون بخطط طويلة المدى، وعمل شاق على النفس لا ينقطع، وجهد مستمر، وصبر مر، وتأنٍ، وهذا ما تفعله دولة الإمارات، مشروعات فضاء، وطاقة مستدامة، وتطعيم المجتمع ضد وباء الفوضى بالقراءة والتسامح والخير.
في شهر يناير، تصادف ذكرى وفاة «البوعزيزي»، هي ذكرى استغفال كل البسطاء، الذين اختاروا الفوضى.
snd.sultan@gmail.com