الذهبي .. إذا أردت ان تصطاد الأسد فلا تدخل الى عرينه
22-10-2008 03:00 AM
ولأن الأسد لم يكن يوما محلا للصيد ، فكثير من النبال تتكسر قبل أن تصيب رأسه ، فليس كل صيد هو سهل ، خاصة إن كان غاية الصيد هو رأس الحكومة ، فسيكلّ الصياد قبل أن يتململ الهدف .
ولأن الذهب يتشكل بصياغات مختلفة ، فأنه اليوم صيغ على شكل رجل ، يصمت طويلا ويفعل كثيرا ، ولا يحب الضوضاء ، فهو كالمتبتل في صومعة الجبل ، يناجي ربه خشية وطمعا ، بعيدا عن شياطين الأنس وأسواقهم .. وعكاظ وشعراءه ، وعروة وصعاليكه .
وفي عالم الطيور .. وتحديدا الصقور .. فإن {الشيهانة } إنثى الصقر تفرّخ في العادة ثلاثة صقور.. أولها يدعى النادرّ .. والآخر يدعى الحرّ .. والأخير يدعى الوكري .. وهذا الأخير عادة ما يموت لأنه صيد سهل لأعداء الحرية لأنه صغير الحجم .. والنادر عادة ما يكون أشعل يخالطه بياض .. طويل العنق .. حاد النظر .. دامي المضرب .. عفيف لا يأكل إلا من صيده .
صاحبنا له من اسمه نصيب .. فإننا نكتب عنه كإنسان أولا ، ومواطن صالح ثانيا ، ووالي إدارة شؤون حياتنا ثالثا .. فالنادر طريقه ليست مزروعة بالورود ، بل إنه يسير أحيانا على سجاد من الأشواك مجبرا ، لأن من يخشى وضع قدمه في الأمام سيظل يراوح مكانه ، فتذهب الدنيا بأهلها ، ويبقى هو منتظرا أن تقرع الأجراس ، وعليه فهو لا يبحث عن مبتغاه في الضباب .. بل يترك الشمس حتى تتبسم .. فيحصد منجلها أعشاب الضباب النابتة على طريق الصباح .. وهذا ما كان وما سيكون .. حائما في سماء الوطن تحت نور النهار .. ويعف عن العمل في دجى الليل المشكوك به .. وان كنا نسانده ، فهذا لا يعني إننا في كل شيء نؤيده .
لم يأت من مدينة المجهول ، ولم يسبق عصر الأباء أو الأولاد ، لوّحت وجهه شمس المفرق و{الإجفور } والقطرانة ، يوما ما ، وكانت شمس العقبة هي الأشد لظى ، وبين هندسة الطيران ، وهندسة المشاريع ، كانت هندسة الوطن هي المهمة الأصعب ، مهمة الأب حين يعرف ما لا يعرفه أبناءه ، يقطع عنهم المصروف ، لأن صديقه لم يعد كسابق عهده ، يسهل عليه مهمة الاستدانة .
ولأن القاعدة الأطغى على الوضع كانت { الخير يخص والحرمان يعمّ } فهي الأبرز على لائحة الخيارات ، فقد يكون ضرب العاق درسا للجميع ليعيدوا ترتيب أبجديات حساباتهم ، لئلا يكون للمبذرين والمتطفلين وغير المحتاجين اليد الطولى في حصد أرغفة الأطفال على مائدة العائلة ، ولكن الصفعة تعتدت لتصل وجه طفل محتاج ، ليس له مائدة .
كلفه جلالة الملك ليقود فريقا من الوزراء ، يُعتمد عليهم في تنفيذ المهمات الأصعب في تاريخ الرفاهية الأردنية التي لم تكن حقيقية ، بل كانت أشبه بحفلة عرس لعروسين اعتمدا على { المديونية } لزواج يتحدث عنه الأقارب والمجتمع ، فيقضيان شهر عسل يتيم ، لا بل هو فقاعة ، لا يلبث ان يصطدم مع حقيقة المرحلة ، لتسقط الأقنعة ، ويكون الله محل الرجاء والدعاء ، بعد ان ينقشع ضباب الوضع ويسطع نور الواقع ..
وهذا ما كان عليه المجتمع الأردني ، أبناء دولة غنية دون نفط ، دون صناعات ، دون سياحة ، دون تقشف ، كل ما هنالك ، ديون ، ورهونات ، وأعباء حياة زائفة ، وطوابير من الأيدي الممدودة نحو نوافذ العطايا . ولأن الفريق قافلة ، لها حادي ، وفيها أخير، فبين الحادي والأخير ، لك أن تتخيل من يسير في المقدمة عارفا ، ومن تأخر سيره لا يدري كيف يسير ، فقط هدايته مواطئ أقدام المقدمة .
الذهبي باشا .. جاء من أقصى الجنوب يسعى ، الجنوب المتبسم و المتجهم معا ، متكئ على إنجازات حققها هناك ، ليصنع من مدينةٍ تعتاش على أبواق السفن ، جزيرة الأحلام الموعودة ، دأب فيها بهمة صادقة ، لم يصنع لنفسه جمهورية الفخامة ، فاكتفى بأثاث مكتب من سبقه ، واستخدم ما توفر له من مركبات ، ولم يبدد أموال {الهيئة } لاستضافة المعارف والأصدقاء والمحاسيب ، كما حصل مع طارئ نعمة ، لم يحل له المكان العابق برائحة { الذهب } ، فأخلص في تغيير كل ما في { المنطقة } كالقائم بأمر الفوضى ، في مفوضية تأتمر بحكم المصلحة الوطنية .
الذهبي .. جاء صنو ٌ للريح التي تحمل كل شيء معها برفقة السحاب الماطر، لتقتلع من ليس مع الوطن ، زمهريره يوحش الليل وخفافيشه ، سكونه يخفي وراءه برق ورعد وانهمار ، ليهاجم سيله العرّم أوكار المفسدين الذين يتطفلون على حقول الوطن ، وقد يحتمي أولئك المرتزقة وراء صخور الفساد والمحسوبية والالتفافية وغياب رقابة الصحافة ، فتذهب طي النسيان ، تلك النعمة الوحيدة التي يتلذذ بها الفقراء ، ولكن يمينه الحكومية تطال الصخر ومن وراءه ..
جاء لينفذ ضربة الجزاء ، فحقق الهدف الذهبي ، وأعاد للحكومة ولايتها ، شيئا فشيئا تستقيم الأمور .. كما يريدها شيخ البلاد وراعي مسيرتها ، ليحصد التصفيق من جماهير فريقه ، ويصطدم بالدعاء عليه من الجماهير التي خسرت مصالحها ، ولم يعلم أحد ما الذي يدور في ذهن الرجل ، لأنه لا يتكلم كثيرا في الخصوصيات ، فهو كلاعب الشطرنج ، صمت طويل ، وتفكير عميق ، وتأمل لا يقطعه طنين ذبابة ، ليسيطر على قلاع الخصم .
نفذ عملية رفع الدعم عن العديد من المواد الحيوية ، ولكنه نفذ قرارات تسببت بها حكومات سبقته ، فأوصلت الوضع الى ما هو عليه ، فأخطاء الأطباء في معالجة القدم ، أوصلها الى اضطرار الطبيب لقطعها حفاظا على حياة صاحبها ، ولكنه عاد ليثبت صدق وعده بخفض سعر الداخل حسب وقوعات الانخفاض الخارجي فما هنا مرهون بالضرورة بما هو هناك !
الذهبي .. نختلف معه ، ونتفق ، حسب المصلحة العامة والبوصلة الوطنية .. وكل ما في الأمر ان هناك ، بين كيس مليء بالفتات اليابس، وكيس مليء بالدنانير ، هناك مواطن يبحث عن كسرة خبز لأطفاله بين أقدام { السادة المليونيين } ، ينظر الى المنظرّين الرأسماليين ، ولا يفهم لغتهم ، فقط هو ينفذ المطلوب منه ، دون أدنى طلب ، لأن كثير من مطالبه طارت من على لافتات المرشحين بلا تحقيق ولا عودة ، فعقد طرف كوفيته ، ورمى عقاله في رقبة الباشا .. لينتصر له .. كما انتصر الملك دائما لغيره من الفقراء والمحرومين والطيبين .
النادر ، الرجل ، والإنسان ، والمواطن .. لا نمدحه لشيء ، ولا نلمع له لشيء ، لأننا لا نخشاه من شيء ، ولا نطمع منه بشيء ، فنحن ننحدر من عل ٍ، فندحرج الحجارة الى أسفل لتصيب من كان مطأطأ رأسه عن مصلحة الوطن ، أو غير مهتم لأمن البلاد اقتصاديا أو أمنيا بحتا ، .. وإذا ما سرنا بين السهول ، نصبح الماء الذي يروي الضمأ ، فيشربنا المارة والعطشى ، حتى إذا ما ارتووا نسونا ، وقفلوا راجعين الى حيث مصالحهم ، وعلى ذلك اعتدنا وألفنا !
النادر .. رجل يجبرنا على احترام شخصه ، فهو من بيت ٍ جاد بالاحترام على مدى سنين طويلة ، ليجود بفتى نادر ، حتى قاد قارب الحكومة وسط بحر متلاطم تترصد به الحيتان من كل جانب ، وتراقبه القراصنة من كل صوب ، ويدعو عليه في دجى الليل أكثر من مسؤول سابق ، ولاهث لا يستطيع ان يخبىء لسانه في فمه ، فهو ان شبع يلهث وان جاع يلهث .
الذهبي .. يكاد يشبه الثلج ، صامت كصمت الهطول الغزير ناصع يطمس الألوان ، فيقتل {الأحمر} بالأبيض ويطيح { بالأسود } لينتصر لراية الوطن .. يفرح به المتمدنون والمتبدونون والمستفلحون ، ويشل حركة المندسين المنسيين من هؤلاء ومن أولاء ، ويعرقل البعض ممن اعتادوا السير بعكس اتجاه السير .. دون أخذ الحيطة والحذر .. فمن يحاول السير على الثلج الناصع دون أن يقدرّ حقيقته ، ينزلق فتكسر قدمه ، وإن ذاب كشف ما على الأرض من حقائق ووقائع وربيع وأشواك قتلها الصقيع .
نراه فيما نرى كالوردة ، جميلة في صورتها ، عطرة في عبيرها ، وان قطفتها يد ، فإنها تعطر اليد التي قطفتها .. سنراه حقلا يعطي في نهاية الموسم حصادا وفيرا ، بعد طول انتظار ومعاناة وتعب ومراهنة على هذا الحقل الذي منحه جلالة الملك لشعبه ، ومده بأسباب الغلال الوفير ، وأن يبتسم الحظ أخيرا للفقراء في الوطن ؟ وأن يحصن الوطن من أي شبهة تفريط بمقدراته وأسباب أمنه ومنعته ..
و هذا هو الرجاء ..
ختاما لا نرجو للذهبي باشا ، ولا لأي رئيس قادم ، ان يكون أشبه بحاشر الجن ، يحشرهم في ليلة بخور وطلاسم ، ثم لا يستطيع أن يفك طلاسمه التي تطلق الجن وتبعده ، فيتكاثر المسّ وروايات الخرافة ،وليخفف من الحمولة الزائدة، و لا يعتمد كثيرا على الحكواتيين في وصف حالة الوطن والمواطن ، لأن الوطن واقع ، والحكاية بحر من خيال .. والرعاية أمل .. والولاية حق للزعيم ، لا تعار ولا يفرط بها .. وكل ما بأيدي الآخرين ، من الأحمال الزائدة في الحكومة و{البراغي } من قرار .. هي حق للرجل .. فياله من رجل ، يرمون على عتبات حكومته قشور الموز الذي ملئوا بطونهم به ، كي يتزحلق وزير ما ، أو مسؤول ما ، فيتخلخل السلم الحكومي .
فحذاري من أيد أصبحت تحفر تحت هيكل الحكومة بين الحين والآخر ، بعدما فقدت معولها ، ولذا فليتحمل كل مسؤول مسؤوليته ، وليجتهد صاحب الدولة في إنهاء حالة الالتواء عند القلة من المدراء الذين لا زالوا يعيشون على أحلام عشهم ،.. وليتبع الباشا " رأسها الذنبا " .
Royal430@hotmail.com