لا اعتقد ان احتجاج وزير الداخلية على تأجيل عملية طرح الثقة به عمليه سلبية بمقدار ما هي تعبير عن الثقة والقوة والقدرة على تجاوز هذا الموقف خاصة وانه يدرك ان الكثير من المغرضين اعتبروها سلاحا فتاكا اما للطخ او الابتزاز او الاصطياد بالماء العكر، كذلك فان موقف نائب رئيس الوزراء ايضا لم يكن الا مجرد حالة دستورية بنيت على توقعات ارتأت الحكومة بتأجيل النقاش لأسباب وجدتها الحكومة مقنعة خاصة وان نائب الرئيس يمثل الرئيس نفسه وبالتالي الحكومة .
غير ان الاشكالية كانت بغياب الحالة التنسيقية بين اعضاء الحكومة وتغييب صاحب الشأن المعني من مجرد الهمس له قبل اتخاذ القرار بثواني وبيان الاسباب, هذا اذا كان القرار لحظي وآني اقتضته الضرورة الآنية .
اما اذا كان القرار مسبق فالأساس ان يكون وزير الداخلية على علم واقتناع بعملية التأجيل او اقناع الرئيس بعدم جدوى ذلك، فالأمر نهاية المطاف قرار جماعي لمجلس الوزراء وخاصة الرئيس ونوابه والوزير المعني . ومع ذلك فما حصل حصل والمطلوب الان معالجة هذه الهفوة للحد من واقع استغلالها للضرب بمسيرة الحكومة وبالتالي بناء لغة التشكيك بقدرتها وانسجامها وهنا يبدأ مارثون عدم الثقة وهي مسالة خطيرة لأنها تصرف الحكومة عن اعمالها وبرامجها وخططها لتصبح مدافعا عن نفسها تبرر ولا تنتج فتتراكم الاشكالية .
من الواضح ان الحكومة تتعرض الآن لحالة انتقادية يقودها الاعلام والصالونات والعديد من النواب الذين يستخدمون مواقف ضعف قرارات حكومية غير شعبوية للمساس او ضرب الحكومة من تحت الزنار . وهذه حالة كنا وما زلنا نشاهدها مع اي حكومة وخاصة بعد مرور فترة زمنية بسيطة عليها وذلك بهدف اشغال الحكومة وتوجيهها نحو الدفاع عن النفس وبالتالي صرفها عن تنفيذ برامجها التي وعدت بها , الامر الذي يوصلها لحالة الضياع والتشتت وبنفس الوقت انحراف بوصلتها الذي سيؤدي بها للنهاية .
ومن الطبيعي بل الطبيعي جدا ان تختلف آراء الوزراء او تتباين وجهات نظرهم وان يصل النقاش الى مستوى الحدية , ولكن هذا الامر لا بد وان يكون داخل قاعة مجلس ا لوزراء او في صالونات الوزراء الحكومية وليس امام النواب والاعلاميين وبالتالي الجمهور . فالمواطن يريد ان يبقي مستوى الثقة بوزرائه وحكومته كبير وخاصة الوزارات ذات السيادة, فمصداقية الوزير تعزز المصداقية بعمل مؤسسته وبالتالي التعاون والانضباط وتطبيق تعليماتها وقراراتها .
الاساس ان يظهر الوزراء تقاربهم وتفاهمهم وتعاونهم امام النواب بالذات والاعلام بل يجب ان يظهروا حنكتهم في تفهم وادارة وتوجيه الامور بالشكل الذي يعزز مدى ثقة الجميع بهم وبالتالي ثقة قياداتهم لمؤسساتهم وهذه المسؤوليات الكبرى التي تناط بهم .
فالخلاف الذي بدى واضحا بالأمس في مجلس النوب بين وزيري الداخلية والتربية والتعليم كان رسالة سريعة تناقلتها ألسنة الناس وصالوناتهم واعلامهم بحيث وصلت الى حالات الوصف والتنديد بالحكومة وعدم انسجام اعضائها وصراعهم الداخلي وتفردهم بالقرارات والانقضاض السريع على بعضهم ؟؟!! .. . كلها مظاهر بينت بلا ادنى شك ان على رئيس الحكومة ان يتوقف مطولا عند هذه النقطة . على اعتبار ان علاقة الوزراء ببعضهم هو اساس نجاح الفريق الوزاري و بنفس الوقت مصلحة وطنية عليا.
لا نعرف ما هي الاسباب التي دعت بنائب رئيس الحكومة لان يطلب ارجاء عملية طرح الثقة، وهذا حق دستوري للحكومة الا انه لا بد وان يكون هناك سبب دفع بنائب الرئيس لمثل هذا الطلب ولا ندري ان كان نائب الرئيس قد نسق مع الرئيس حول ذلك او ان الحالة لحظية لوجود اسباب لاحظها نائب الرئيس بساعتها . لكن الاساس ان يكون وزير الداخلية المعني الى جوار نائب الرئيس ويتفقا في لحظتها على قضية التأجيل او عدمه , الا انه من الواضح ان المسألة تتعدى مجرد التشاور بينهما والتي لا تحتاج الى اكثر من عشر ثوان، غير ان الامور تتعلق بطبيعة العلاقة الثنائية وهذا على ما اعتقد غير مقبول .
فالأساس ان يستشير نائب الرئيس الوزير المعني بذلك مسبقا او ان يكون هناك ترتيب معين حتى ولو كان الرئيس على علم بذلك . كذلك كان من الاجدر بوزير الداخلية ان لا يظهر سخطه على هذا القرار وانتقاده لقرار نائب الرئيس الذي يمثل الرئيس امام النواب وان يتم العتب او النقاش داخل الغرف المغلقة وليس امام اعين ومسامع النواب وعدسات الصحفيين والاعلاميين تحت القبة .
هفوة تستغل وتحمل اكبر من حجمها لكنها تبقى مؤشرا لحكومة الرئيس الملقي خاصة وانه يدرك والوزراء ان الوقت احوج من اي وقت قادم للتقارب والتعاون والتفاهم والتماسك , فهناك سلسلة من الاجراءات لن تجد الحكومة ان النواب والمواطنين سوف يقبلونها بشكلها المعتاد.