حدث لغط كبير حول القرار الحكومي المتعلق بقضية الاعفاءات الطبية ويعود هذا اللغط إلى عدم الوضوح التام بطبيعة هذا القرار، والضبابية المحيطة به، بالإضافة إلى تناقض الأخبار والتصريحات المتعلقة به، فهناك مصادر تنفي وهناك مصادر تثبت، هناك مصادر أخرى تأتي بالخبر مجزوءاً وغير كامل.
ما ينبغي الوقوف عليه في هذا السياق مجموعة من القضايا التي تستحق الاهتمام البالغ ومن ثم الدراسة والمعالجة :
القضية الأولى : العلاج الطبي للمواطنين على درجة عالية من الأهمية وتأتي قضية الاعفاءات لتشكل إحدى مسارات الإفراج عن شريحة واسعة من المواطنين الذين يعجزون عن تغطية كلفة العلاج فيما يتعلق ببعض الأمراض المستعصية مثل السرطان وغسيل الكلى وغيرها؛ ما ينبغي على الحكومة أن تنظر لهذه المسألة بعين التساهل ومنهج التخفيف من معاناة المواطنين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة للناس، وفي ظل تدني الدخل وعدم القدرة على امتلاك المتطلبات الضرورية للحياة.
القضية الثانية : ما تحتاج إليه عملية الاعفاءات تلك المتعلقة بضبط الإجراءات بعيداً عن الواسطات والمحسوبيات وما يتعلق بعلاج علية القوم خارج الأردن على حساب خزينة الدولة، وهذا لا يتهيأ للمواطنين العاديين، وكذلك الصعوبة الفنية في تقدير حالة المواطن فيما لو ترك البت في الأمر إلى طبيب واحد من وزارة الصحة، وما يتعلق بالمسألة من تدخلات وضغوطات عليا لا تستطيعها الأغلبية الساحقة من الطبقة الفقيرة.
القضية الثالثة : أن هناك معلومة تقول إن مستشفيات وزارة الصحة تخلو من الأخصائيين في مجال الأورام، مما يجعل الغالبية العظمى ممن يبتلون بهذا المرض الذهاب إلى مستشفى الحسين للسرطان أو المستشفيات التابعة لبعض الجامعات، أو المستشفيات الخاصة، مما يقتضي البحث عن معادلة صحية سليمة تأخذ بعين الاعتبار هذه الأوضاع بطريقة واقعية وموضوعية.
القضية الرابعة : تتعلق بخطوات الحكومة المتتالية للحصول على أكبر قدر ممكن من الإيرادات، وتخفيف النفقات؛ إذ إنها في غالبها ما يكون الضحية لهذه الإجراءات القاسية هم المواطنين من أصحاب الدخل المحدود، في القطاع العام على الجملة والذين في غالبيتهم الساحقة يقبعون تحت خط الفقر بالمعايير الدولية، وربما تكون مسألة الاعفاءات الطبية قد جاءت في هذا السياق؛ ما يؤدي إلى الحاق الضرر المحتم بهذه الشريحة المسحوقة اقتصادياً ومادياً.
المطلوب من الحكومة الموقرة، أن تعمد أولاً إلى تجفيف منابع الفساد، وأن تضبط عمليات الهدر بالمال العام، وأن تكون قادرة على وقف المحسوبيات والواسطات، وأن تكون حاسمة وصارمة في قطع الأيدي التي تزور الوثائق، والتي تستغل مواقع المسؤولية بطريقة غير عادلة، لأن هذا المسار هو الكفيل بالدرجة الأولى بتعظيم الإيرادات وضبط النفقات، وعندما تتمكن الحكومة من ذلك فإن استجابة الشعب سوف تكون كبيرة، وسهلة وميسرة، وذلك بتحقق الثقة بين الشعب والحكومة.
ما ينبغي للحكومة التنبه له هو النظر للظروف السياسية والأمنية الصعبة التي تمر بها المنطقة، والأردن جزء منها، وفي ظل تصاعد موجة الإرهاب والتطرف، حيث ينبغي العناية بالآثار الجانبية لمختلف القرارات ذات الأثر الواضح على أوضاع الناس النفسية، خاصة ما يتعلق بالجانب الاقتصادي على وجه التحديد.
الدستور