التعليم العالي: تحديات الإصلاح وسبل المعالجة
أ.د. أمل نصير
04-01-2017 12:56 AM
قلما يخلو حديث لرئيس جامعة أردنية أو اجتماع لمجلس أمنائها إلا ويأتي على التحدي الأكبر الذي يواجه أغلب الجامعات الأردنية؛ أي المديونية وما يترتب عليها من تراجع البنية التحتية، وهجرة أعضاء الهيئة التدريسية ...
دفعت المديونية عددا من الجامعات إلى التوسع في قبول الموازي إذ وجدت فيه معالجة لأوضاعها المالية المتردية بعدما وضعت الحكومة يدها على الأموال المُحصّلة لصالح الجامعات!
وأصبحت تتنافس فيما بينها على استقطاب الطلبة في الموازي، فقبلت أعدادا كبيرة دون اعتبار لتأثير ذلك على مستوى خريجيها، وأوجدت برامج مشابهة له مثل الدولي، وفتحت تخصصات كثيرة تحت مسميات مختلفة في أغلبها مكررة ولا يحتاج سوق العمل إليها، وقبلت طلابا غير مؤهلين علميا لاسيما في التخصصات التي تحتاج إلى المختبرات، والمستشفيات، والتدريب والمتابعة، وأصبح هم الجامعات الأول: مقدار المال الذي تجمعه من الموازي لتغطية نفقاتها، فأصبح عدد الطلبة المقبولين فيه أحيانا يساوي أو يزيد عن عدد المقبولين في البرنامج العادي، إذ بلغ عددهم في العام الدراسي المنصرم 49% في كلية الطب و60% في طب الأسنان، و48% في الصيدلة، و21% في الهندسة.
أغفت الحكومات المتعاقبة عيونها قصدا عن مساوئ الموازي رغم علمها بتعارضه مع مبدأي العدالة وتكافؤ الفرص اللذين أكد عليهما الدستور! متجاهلة رؤيتها لبعض الجامعات وهي تفتح باب الموازي على مصراعيه لتوفير رواتب موظفيها طالما هي غير قادرة على رفع الرسوم، ولا تكفيها ميزانيتها التي يذهب جزء منها لسداد رسوم الجسيم وغيره، وباتت هذه الجامعات في المقابل غير قادرة على توفير عضو هيئة التدريس المؤهل بعدما هجرها مَن سنحت له الفرصة أو سمحت له ظروفه بهجرتها، أما المختبرات والقاعات التدريسية فما عادت كافية، ولا هي صالحة.
وعليه، فقد تراجعت سمعة التعليم العالي في الأردن بصورة كبيرة، فخسرنا التنافس في سوق العمل بعدما كنا رقم(1) في كثير من التخصصات، وهذا يعني خسارة ميزانية الدولة لمصدر مهم كان يرفدها بمبالغ كبيرة من العملة الصعبة كتحويلات للمغتربين من خريجي الجامعات الأردنية الذين يعملون في الخارج مقابل ملايين قليلة كسبتها الجامعات من الموازي(بلغت 187 مليون في العام المنصرم؛ أي 51 بالمئة من إيرادات الجامعات).
وتحولت بعض الجامعات طاردة لعدد من الطلبة العرب والأجانب بسبب تراجع السمعة العلمية والعنف، فخسر الاقتصاد الوطني والمجتمع المحلي المبالغ التي كانوا ينفقونها على دراستهم ومعيشتهم ( يُقدّر ما تقدمه جامعة العلوم وحدها من دعم للاقتصاد الوطني من هؤلاء بــ 60 مليون هي نفقات 7000 طالب تقبلهم سنويا في كلياتها المختلفة)، فإذا ما أضفنا مقدار خسارة الاقتصاد الوطني من هذا المصدر من الجامعات الأخرى لوجدناه يفوق ما تكسبه الجامعات من الموازي.
أثرت مديونية الجامعات أيضا على آلية تطوير قبول الطلبة الجدد، فبدلا من أن يكون المعيار: القدرة العلمية والرغبة، أصبح المقعد الجامعي لمن يملك إمكانية الدفع أو لمن يملك جهة تدفع عنه.
من هنا أوصت الأجندة الوطنية بإلغاء الموازي باعتباره يهدد نوعية التعليم كما أكدت رؤيا 2025 على الالتزام بالقبول الجامعي على أساس الجدارة بشكل أساسي، أما اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية، فلم تكتف بهذا وذاك، بل اقترحت حلولا بديلة إذ يتم إلغاء الموازي تدريجيا في السنوات الخمس القادمة، ويطبق الإلغاء على الطلبة الجدد وفق خطة مدروسة تعتمد البيانات الدقيقة لأعداد الطلبة، وإيرادات البرنامج، والطاقة الاستيعابية في كل جامعة، وسبل تعويض الجامعات عن فرق الايرادات الناتجة عن إلغائه.
إما برفع الرسوم الجامعية تدريجياً بنسبة تغطي فرق الإيرادات سنوياً او زيادة الدعم الحكومي ليغطي الفرق في كل عام او الخيارين معاً بنسب يُتفق عليها بين الجامعات والحكومة. مع تأكيدها على وجوب التوسع في دعم الطالب الفقير، والحل الأمثل من بين الحلول السابقة يكون بتعويض الجامعات عن دخل الموازي لعدم قدرة المواطن على مزيد من الضرائب ورفع الأسعار، فدعم الجامعات هو أحد الضمانات المهمة لرفع مستوى الخريجين، والحد من بطالتهم، ومنحهم قدرة المنافسة لإيجاد فرص عمل محلياً وإقليمياً.
لن تقبل الأجيال القادمة منا الاعتذار عن الإصلاح الشامل للتعليم بحجة الظروف الاقتصادية الصعبة، فالهدر الذي كشف عنه تقرير ديوان المحاسبة الأخير يكفي لحل مشكلة مديونية الجامعات، ناهيك عن غيره!