في المنفى تكاد تضيق بك المرافق والمخانق لذلك قد تجد العشرات يصطفون في خطوط غير مستقيمة في انتظار الحافلة، وما قد يزيد هذا الفارق الهش سوءا واتساعا هو انك ولدٌ ولدَ بعاهة قديمة حديثة فصرت تنعى بمن لا تعرف، (جيرميا ديسانت آمور ) ولكن على غرار المدرك قد صار يغريك في اسمك الإيقاع، لم تقرأ الشعر قبل اليوم ولكن على غرار الحسي قد صار يغريك في اسمك نبر المكنى وحاجة الإيقاع لرفع شأن المبنى،
" في المنفى ثمة حيز ضئيل لتخلع ملابسك كاملة ما بين هوتين، هوة الأبد وهوة العدد ."
في المنفى تصحو الجدة باكرا جدا لتتفقد عشب الأحذية فوق المتروك من سقوف الكلام، في المنفى يصحو الجد باكرا جدا ليتفقد الناحل من ماعز وقصب السهول، في المنفى تصحو أمي باكرا جدا لتتفقد زهر المائدة شحيحة الأسماء، زيت وزعتر وشيء من جبن البارحة فأهجس، " ما حاجة زهر المائدة بالقليل الجيد من الأسماء، يا لهذه التورية جيدة الصناعة لإدراك المتبقي من عمر الليل الطويل في البحث عن الجيد القليل من الكناية. "
في المنفى تكاد تضيق الأرض بصراخ نداءك الأول البعيد، فيحاول أحدهم أن يشتري صمتك بقطعة سكر فتأبى الا أن تواصل النشيد.
شجرة السنديان التي نمت عن دون قصد منا على حافة المكان، كم كانت سلما جيدا لصعود الى الله قرب كوة من الغيم مارقة، هذا بعض مما أذكره من بقايا نوافذ الصفيح الواطئة، هناك في حيز لا يكاد يتجاوز المتر الواحد كان ينمو لنا خيار وبرتقال وبعض من زهر المائدة، زهور المائدة الأجدر بليلة صيف قاسية. في المنفى عادة ما كان يموت الجد في الشتاء وفي ساعة ليل مباغتة، في المنفى أعيد صياغة المجهول بالقليل من كلمات المستحيل المشغول ولا تسعفني الذاكرة، في المنفى يحلم الواحد منا بالكثير ويكتفي بالقليل في محاولة لترويض المسافة ما بين الهاوية والهاوية، في المنفى ثمة حيز لملعب كرة القدم الأخضر ما بين حجرين وذاكرة.
في المنفى عند الظهيرة، الساعة الثانية عشرة، في آخر الشارع المدرسي، تجلس القرفصاء وتنتظر، هناك تتبادل انت وأخيك الحذاء الوحيد، يذهب هو إلى المدرسة منتعلا حذاءك وتعود أنت إلى البيت بيتك حافيا ويغريك الإيقاع،
" في باريس ثمة زهر وحشائش ومطر، في باريس ثمة حيز ودفاتر وأشياء أخر.