ما إن يذكر اسمه حتى نصغي الى حفيف مقدسي، المطران الذي حذف الفارق بين الفادي والفدائي، وقضى في منفاه الفاتيكاني اربعين عاما، عقابا له على شهادة حق في زمن الزور.
هيلاريون كبوتشي، اسم عسير الهضم على مسمع الاسخريوطيين الجدد، ولأنه قاوم الاحتلال بكل ما استطاع استمر الجنرال والحاخام معا في مطاردته بمنفاه حتى بعد ان تجاوز التسعين، وكانت مسيحيته سببا اضافيا لمطاردته ونفيه بعد ان سُجن لأنه ابلغ الاحتلال بالرسالة التي لا يحبون سماعها وهي ان المسيحيين خيط اصيل في نسيج العروبة، وطالما دافعوا عن لغتها وألّفوا المعالم التي تصونها من التتريك والتعجيم !
ان من استباحوا الاقصى وكنيسة القيامة معا، كان عليهم ان يتوقعوا بأن مبتدأ الجملة الفلسطينية المقاومة وخبرها المطران وتوأمه الذي عبّد بدمه الطريق بين الجليل والخليل !
اربعة وتسعون عاما، شاء لها القدر ان تنشطر الى ملكوت ومنفى، وشاء لها ايضا ان يكون التزامن بين الرحيل والقيامة غداة الميلاد.
لا تحتاج حروف اسم المطران الفدائي الى فسفور كي تومض في ذاكرتنا القومية، فهو كان لعدة اعوام وقبل ان ينفى ثالث كل اثنين سواء كانا مسلميْن او مسيحييْن، ولثغ حتى اطفالنا باسمه لفرط ما تردد على ألسنة البالغين .
المطران الفدائي سيرة يحتشد فيها كل ما هو سماوي ونوراني لتكون المثال والاطروحة المضادة لكل محاولات الاحتلال في تشطير الفلسطينيين الى طوائف وقبائل وفصائل !
رحيل المطران والقدس التي افتداها تئن بين مطرقة الاحتلال وسندان الانقسام، لكنه شأن من افتدوها على موعد معها .
كان اسم المطران كبوتشي يرنّ بكل اللغات عندما كانت فلسطين بسعة العالم وقبل ان يَصدر عليها الحكم الجائر بالاقامة الجبرية في غمدها الجغرافي، ومن حقه على الفلسطينيين والعرب جميعا ان يودّع بما يليق به، في زمن انتصرت فيه الممحاة على القلم !
الدستور