عودة "المياه الدافئة" مع قطر
د. محمد أبو رمان
22-10-2008 03:00 AM
من المتوقع أن تتوج زيارة جلالة الملك قريباً إلى قطر الجهود المتتالية والحثيثة لفتح صفحة جديدة في العلاقة بين الدولتين، تؤذن بزوال "سحابة الصيف"، التي سادت خلال السنوات الأخيرة، وشهدت في أوقات معينة تسخيناً في الأزمة.
أسرار الخلاف لا تزال أسيرة التكهنات والتحليلات التي يشطح بعضها بعيداً. الأهم أنّ الملفات، التي كانت تشكِّل برأي المراقبين سبباً للأزمة المتصاعدة، قد تراجعت بصورة ملموسة وواضحة خلال الشهور الأخيرة.
فعلى مستوى العلاقة مع حركة حماس؛ بدأت الحكومة الأردنية بفتح صفحة جديدة مع الحركة لحل الإشكاليات والخلافات، والوصول إلى نقاط تفاهم متبادلة.
أمّا الحديث عن قناة الجزيرة؛ فإنّ المراقب لقناة الجزيرة يلاحظ فرقاً نوعياً في التغطية المتعلقة بالأردن، خلال الشهور الأخيرة، وقدّم مراسلو القناة في عمّان أداءً مميزاً وأظهروا حِسّاً وطنياً عالياً. فوق هذا وذاك فإنّ الحرية الإعلامية محلياً اليوم تتيح قدراً أكبر من النقد الذاتي والنقاش الداخلي الساخن من الوجبة التي تقدمها الجزيرة نفسها عن الأردن.
وإذا كان يحلو للبعض ربط الأزمة بالخلاف القطري السعودي وسياسة المحاور الإقليمية، مع أنّ مسؤولين أردنيين رفيعي المستوى يرفضون ذلك، فإنّ العلاقات السعودية- القطرية شهدت تحسناً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة ومن المتوقع أن تتحسن بصورة ملموسة خلال المرحلة المقبلة.
تلك، إذن، صفحةٌ طُويت، فضلاً عن أنّها كانت انكساراً في تاريخ العلاقة الدبلوماسية التقليدية بين الأردن وقطر، التي تميّزت خلال العقود السابقة بالدفء والحميمية والتفاهم على مستوى عالٍ.
بل يذكر العديد من المراقبين والمحللين أنّ العلاقة بين البلدين شهدت تحسناً كبيراً وقفزة نوعية في الفترة الأولى لتسلم الأمير حمد بن خليفة آل ثاني الحكم، واستمرت العلاقة بين العهدين الجديدين على المنوال نفسه، قبل أن تسقط في حبال بعض القضايا الصغيرة، والثانوية، التي كان من الغريب أن تأخذ المدى الذي وصلت إليه من تجميد وأحياناً قطيعة خلال السنوات الأخيرة.
فمهما كان هنالك من خلاف أو تباين في الرؤية والتصور بين الحكومتين، لقضايا إقليمية وعربية، فإنّ هذا لا يفسر تجاوز المصالح الاستراتيجية والحيوية المتبادلة، أو الإضرار بها. فضلاً عن ذلك فإنّ الدولتين تتميزان بتقديم نموذج إقليمي خاص، عماده: دولة صغيرة تحتل وزناً سياسياً متميزاً، تلعب دوراً فاعلاً في المنطقة، وتمتلك صورة عالمية أكبر من حجمها الجغرافي بكثير مقارنة بدول أخرى في المنطقة.
المصالح الحيوية بين الدولتين كبيرة ومتشابكة. فقطر دولة صاعدة، لديها طموح للتطوير والتنمية، وتركز على قطاعات حيوية، كالإعلام والتعليم والإنشاءات، وجميعها قطاعات تتميّز فيها المهارات والكفاءات الأردنية، التي لعبت دوراً كبيراً خلال سنوات سابقة في تطوير هذه المجالات في قطر، سواء في قناة الجزيرة أو الصحف الأخرى، أو حتى التعليم الحكومي والعالي، وكذلك في الكفاءات الهندسية والمهنية المؤهلة.
الأزمة السياسية الأخيرة دفعت بالحكومة القطرية نحو العمالة السورية واللبنانية، ما قلل وحدّ من فرص عمل لمئات، وربما آلاف الأردنيين. وربما ساهمت بعض الأقلام الصحافية التي "اصطادت بالماء العكر" في التضييق على الكفاءات الأردنية، والإضرار بقرابة خمسة وعشرين ألف أردني يعملون في قطر، أغلبهم من المتخصصين المحترفين في قطاعات نادرة ومحدودة في الدول العربية.
تقتضي المصلحة الوطنية الاهتمام بصورة فاعلة بإزالة التوتر والأزمة مع قطر، وكفّ الأقلام غير المسؤولة التي تدّعي الحرص على الأردن والدفاع عنه، لكنها تسيء له وتضر بأبنائه المكافحين في الخارج، والذين يشكلون مصدراً رئيساً في الدخل الوطني.
m.aburumman@alghad.jo
...