الموت للفقراء، لتحيا الإعفاءات للأغنياء
عمر كلاب
02-01-2017 12:30 AM
دون شك يحتاج الاعفاء الطبي الى مراجعة وتقييم بعد ان تعددت منافذه دون ادنى تنسيق بين الجهات المانحة للاعفاءات الطبية، لكن التسيب في الاعفاءات والمعالجات مجرد نتيجة لعجز الحكومات المتعاقبة عن توفير التأمين الطبي الشامل للمواطنين وتوفير الخدمات الطبية بشكل لائق وآمن وسط غياب العدالة في توزيع الاعفاءات الداخلية والخارجية على مستحقيها، الفقراء يعالجون في المستشفيات الحكومية ضعيفة الاستيعاب والخدمة – دون تشكيك في المهارة الطبية – والاغنياء ينعمون باعفاءات في مستشفيات الخمس نجوم والخدمة الفندقية الراقية رغم مقدرتهم على الدفع وربما هناك من يملك تامينا خاصا ومع ذلك يحصل على اعفاء طبي وكثير من الذوات يحصل على اعفاء خارجي رغم سمعة الطب ومهارته في بلادنا التي تعتبر اعلى دولة في السياحة العلاجية قبل ان نقمع هذا القطاع باجراءات عسيرة .
القطاع الصحي العام تراجعت خدماته وفقد الناس الثقة في مؤسساته الرسمية نتيجة الاكتظاظ والمحسوبية في المواعيد والاجراءات وضعف الخدمات اللوجستية وصارت الكلفة العلاجية السنوية تثقل كاهل الموازنة نتيجة التحويلات الى المستشفيات الخاصة وتحديدا مستشفى الجامعة والحسين للسرطان والخدمات الطبية العسكرية دون مراعاة طبيعة المرض وتشخيص الاطباء، فكليشيه الاعفاء جاهز لكل طالب وحسب طلبه، وكانت سنوات الحراك الشارعي اكثر السنوات استنزافا للمقدرات الوطنية نتيجة قبول الطلبات الخدمية حتى غير العادل منها والرضوخ للاصوات العالية، وطبعا هذا مفهوم لان العقل المركزي كان جاهزا للتضحية بمقدرات الدولة الاقتصادية والمالية لارضاء الاصوات الغاضبة خدميا مقابل عدم التفريط بالمواقع السياسية والمنافع الاقتصادية كثمن للاصلاح الحقيقي الذي طالب به التنويريون الاردنيون على قلتهم .
القطاع الصحي بات كرة يتقاذفها النواب لانتاج مراكز صحية ومستشفيات دون دراسة لحركة المجتمع السكانية واهدرنا ملايين الدنانير على مراكز طبية دون بشر يتعالجون، وعلى هامش هذا الهدر، نمت مافيا عطاءات الادوية ومافيات العلاجات الخارجية والاعفاءات الطبية التي كانت تباع مثل ورقة اليانصيب وتسيب العاملين في القطاع الصحي العام وتكفي مراجعة تقارير ديوان المحاسبة لمعرفة حجم الهدر في هذه الابواب ناهيك عن فساد الديزل سواء للتدفئة او لوسائط النقل، فاصابت المياعة القطاع الصحي وخدماته، واستكانت فرق وزارة الصحة الى الاعفاءات الطبية التي ازالت عنهم الحرج وتركتهم في غيّهم يعمهون، حتى باتت جملة “ روح خذ اعفاء اذا مش عاجبك “ تُصرف دون وصفية طبية في المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية سواء من الكادر الطبي او من الكادر الاداري .
القطاع الصحي يعاني من تشوه هيكلي وجرى اجهاض كل مبادرات التامين الصحي العام رغم مقدرته على توفير اعلى الخدمات الصحية باقل سعر ممكن، لكن مافيا القطاع الصحي اجهضت كل المحاولات التي كان اخرها مبادرة مظلة التامين الوطني التي اجتهد الدكتور عمر الرزاز في اطلاقها اثناء عمله مديرا عاما للضمان الاجتماعي، فالمبالغ المدفوعة على الاعفاءات تجاوزت حاجز النصف مليار دينار سواء من الديوان الملكي او من رئاسة الوزراء دون احتساب موازنة وزارة الصحة طبعا، ولو جمعنا تلك المبالغ بما فيها موازنة وزارة الصحة لمنحنا الاردنيين جميعا تأمينا صحيا خارقا وارحنا الناس واسترحنا، تحديدا وان معظم الشركات الكبرى والنقابات المهنية والبنوك توفر مظلة التأمين الصحي للعاملين تحت مظلتها؛ ما يعني اننا امام ملف سهل ويحتاج الى قرار سياسي راداري لا يراعي منافع مافيات القطاع الصحي ومكاسبهم المهولة من الافساد والفساد والعطاءات العجيبة الغريبة، فكميات الادوية تفوق تعداد مصر وليس الاردن .
الحكومة بقرارها الاخير اختارت الحل الظالم وهو بالضرورة الحل الاسهل وهو الاعتداء على الفقراء والبسطاء ممن يحتاجون الاعفاء حقا، دون الاقتراب من الاغنياء والقادرين، ودون المساس بمافيات الدواء والغذاء ومافيات العطاءات من اجل توفير 100 مليون دينار من حسابهم لتبقى جيوب الاثرياء منتفخة، ودون معالجة جذرية لواقع الخدمات الطبية والصحية في وزارة الصحة التي تحتاج الى ثورة حقيقية كي نحقق الوفر المطلوب وزيادة عن الوفر المطلوب ايضا، فهناك مرضى يتعالجون في مركز الحسين للسرطان منذ فترات طويلة والان كيف سترحل ملفاتهم الى جهة جديدة وكذلك الحال لاصحاب الامراض المستعصية والخطيرة، كان الاجدى ان نسير بتوازن بين رفع منسوب الخدمة في القطاع العام وضبط الاعفاء ومراجعة الاعفاءات الممنوحة للقادرين والغائها مقابل الاستمرار باعفاءات الفقراء والمحتاجين، حتى نبدأ عامنا الجديد بانحياز الى الفقراء وبانحياز الى الوطن اولا .
الدستور