عولمة الأحزاب المنتصرة سياسياً
سامي الأخرس
06-04-2007 03:00 AM
من الواضح أن العالم لا يزال في بدايات العولمة، والبدايات عامة تثير من التساؤلات أكثر مما تعطي إجابات واضحة، كما أن العولمة تبدو وكأنها مليئة بالفرص التاريخية الكبرى والمغرية . فإنها مليئة أيضاً بالتحديات والمخاطر الحقيقية . والوضوح الأكثر رؤية أن العولمة ليست ثابتة ومستقرة بل أنها مزدحمة بالتحولات الكبرى التي ربما تفوق كل ما حدث من تغير في التاريخ خلال السنوات الماضية . أن التحولات المصاحبة لبروز فكر العولمة عميقة وسريعة في معايير عصر السرعة ، فلم يعد بالإمكان التحكم في سرعة الأحداث والتطورات الحياتية وهنا تتجلي حقيقة أن الدول الكبرى قد استعانت بالقوة العسكرية لفرض هذا المفهوم ، فلم يعد كاف لها محاولات ترغيب الآخرين لمفاهيمها. ولعل انتصارها في الحرب الباردة قد أعمى بصيرتها بحيث لم تعد تسمع سوى صدى صوتها بل أنها لا تريد أن تسمع سوى صدى صوتها .
ومن الحقائق المؤلمة في واقعنا العربي عامة أننا سلّمنا بما يدعيه الآخرون ، وليت الأمر أقتصر هنا بل أن جهودنا أنصبت في مساعدته لتحقيق أهدافه ومصالحة دون النظر لمصلحة شعوبنا . وجدنا جرائمها وممارساتها بمحاولات التقليد الأعمى والتطبيق الفعلي لما تمارسه العولمة في واقعنا الصغير المحدود ، المقيد بالحدود ، والحواجز ، والتجهيل ، والتخلف ، وذهبنا لأبعد من ذلك بكثير عندما اتخذت بعض قوانا وأحزابنا العربية عامة ، والفلسطينية خاصة نهج العولمة كمرشد لسياستها وممارستها ، حيث أعماها بريق الانتصارات الوهمية في ساحات الوهم والأوهام التي أقنعت نفسها بأنها أصبحت القوة الوحيدة المنتصرة ، ولابد من فرض أفكارها وآرائها ورغباتها بالقوة ، أي بالعصا بلا جزرة ، خشية من أن الجزر يعتبر دواء لمن يعانون من ضعف في البصر .
عند الحديث عن فلسطين عامة ، وغزة خاصة والتغيرات السياسية على الساحة الفلسطينية ، فهنا الحديث يعتبر كنموذج مصغر لما يحدث في معظم الساحات العربية المستقر منها ، وغير المستقر ، وهو الأسلوب الحديث في عولمة الفكر الحزبي ، والفعل السلطوي وأوهام السيادة ، تقليداً لممارسات العولمة في فرض الهيمنة بضربات السوط ، وتكسير العظام ، وقتل النفس ، وإرهاب الأصوات .
مارسنا العملية الديمقراطية في فلسطين ، كما مورست بالقريب العاجل في موريتانيا ، وأفرزت هذه الديمقراطية واقعاً جديداً أعاد تشكيل الخارطة السياسية ، وانتقلت بعض القوى من المعارضة لمواقع السلطة ، من مواقع التلاقي إلي مواقع التناقض ، حيث أن قوانا المقاتلة استبدلت مواقعها من الفعل المقاتل إلي الفعل الحاكم ، وهذا يمثل إنقلاباً في المفاهيم والرؤى ، ومع أن هذا الانقلاب نتاج حق ديمقراطي ، إلا أنه أنتج انقلاباً شاملاً بمنطق العولمة القبيح ، حيث كشرت عن أنيابها ، وفتلت عضلاتها واستعانت بمنطق أنا القوي ، إذن أنا الوحيد ، فعلى الجميع الطاعة إجبارياً ، ولم تتوان عن استخدام وسائل العنف كلغة حوارية مع كل من يقول لا ، أو يتحفظ أو ينتقد ، فأمامك خياران الخيار البوشي قطب العولمة وعصاها " من ليس معنا فهو ضدنا " ، والخيار الآخر أن تدور في فلكها وتسبح في مياهها ولا ضير أن تغرق ولا تجد من يلقي لك بطوق النجاة ، فهو نهج الغاية تبرر الوسيلة ، ولا أدرك ما هي الغاية التي تبررها الوسيلة .
فإذا كانت العولمة أحد الفصول التاريخية الحضارية العالمية رغم أنه لم يكتب محتواه بعد ولا زال قيد الكتابة ، فإن عولمتنا الحزبية السياسية استطاعت أن تجعل من تقليدها فصلاً وطنياً كتب محتواه بالدم ، والفساد ، والتهديد ، والوعيد والملاحقة ، إن ارتكبت أثماً وتفوهت بكلمة لا ، في الوقت الذي تعاني فيه غزة من عمليات الخطف والقتل والموت والتدمير ، وتدرك قوانا المنتصرة أن خاطفي " ألن جونسون " أضحوا يعيثوا في الأرض فساداً ، ويمارسوا القتل كمهنة ، ورمزيات الموت تتجسد بدمويتهم ، وتخشي أن تلوح مجرد التلويح بأسمائهم أو انتماءاتهم ، أو التلويح بعصاهم التي تطرق جماجم الأبرياء ، لماذا؟!
لأن هناك مصالح مشتركة متراكبة بين الخاطف والمتربع على عرش السلطة ، فتحولت المعركة من حرب على الفساد والفلتان بكل أشكاله ومعانيه ، لملاحقة تصريحات الوزراء والتشهير بالوزير الذي قال ، والوزير الذي فعل لأنها تعارضت مع سطوة الفارس المنتصر .
وإن سلمنا تجاوزاً بدراما خطف ألان جونسون ، فهل سنسلم بنهب وسرقة أراضي محافظة رفح عنوة وبيعها تحت مسمع ومرأى الجميع ، سرقة تتم بشكل ممنهج ومجدول ، فلم تتحرك الأقلام لتهاجم وتحذر من عواقب السرقات ، في الوقت الذي سخرت المواقع الالكترونية والقنوات الفضائية ، والإذاعات المسموعة ، وانبرت الأقلام لتهاجم الوزير الذي صرح بموقف سياسي ، وحولت الدكتور رضوان الأخرس لخائن وعميل لمجرد أنه أراد التطهير في وزارة الصحة وتطبيق القانون ، لمجرد أنه لم يرق للمتسطحين على عروشهم العاجية الحريرية ، لم ترق لأقلامهم قرية كاملة أغرقتها مياه الصرف الصحي وقتلت منهم ما قتلت ، ولم لا وهي تخضع لمجلس بلدي منتخب ديمقراطياً ويعبر عن إرادة الأقوياء ، فالمجلس البلدي بريء كبراءة الذئب من دم يوسف ، وأهل القرية هم الجناة .
ألان جونسون ، أراضي رفح ، القرية البدوية ، عمليات القتل والنهب اليومية ، الترهيب والتخويف ، السرقات وعمليات الخطف ، ارتفاع الأسعار الجنوني ، جميعها قضايا لا تخضع لمنطق النقاش بالعولمة الحزبية ، ومنطق الأقوياء ، فهي من الصواغر والهوامش ، فالبرنامج الانتخابي اكبر وأعمق من النظر لهذه القضايا ، فمفاهيم العولمة مهماتها متابعة النشرات الإخبارية ومتابعة كل المقابلات ، وملاحقة كل ما يصدر من فعل ومن قول من أي سياسي أو وزير مخالف للاتجاه
ومن أروع تجليات العولمة بمفاهيم حزبية ، وسياسات الفعل العولمي الجديد ما قرأته صدفة بإحدى الصحف تحت عنوان في رحاب آية ، فكلما تجاوزت سطراً باحثاً عن الرحاب والآية ، تلاشي ألأمل فلم أجد رحاب ولا آية ، كل ما وجدت هلوسات نفسية أشبه بهلوسات بوش وهو يتخبط بمس العظمة والغرور الذي أصابه من انتصارات الوهم التي باعها للشعب الأمريكي وللعالم العربي ، حيث ابتعد المنظر السياسي والفكري عن الآية وخاض بغابة شائكة لم يستطع الإفلات من بين فكي ملكها " الأسد" ، فافترسته عولمته الفتية وساحت فيه بين بطون التخبط والهلوسة .وتاهت الآية ورحابها .
لا زال الفقراء يتسكعون على أبواب الأمل ، ولا زال المكلومين يمنون النفس بسماع طرقات مطرقة العدالة وهي تدق رؤوس المذنبين ، ولا زالت الأرامل تبحث عن معيل لأطفالهن بين سطور الحق وبزوغ شمس الإنصاف ، ولا زلنا نحن بنظرهم المجرمين ، وهم المنتصرون .. إذن فنحن تحت سطوة عولمتهم التي أتنقلت بطفلتي ذات الثلاث أعوام من طبيب لطبيب ، ومن مشفى لمشفى لكي تشفى من صوت إحدى قذائفهم التي وجهت كرسالة ، فجميع الرسائل تخط وتكتب بحبر القلم إن كانت مكتوبة ، أو تنتقل صوتياً إن كانت مسموعة ، لكن رسائل العولمة الحديثة يجب أن تواكب حجم التطور التكنولوجي فأضحت تخط بقذائف وصواريخ .
أنها فعلاً عولمة العقول ذات الثوب البراق الزائف ، والشعار الذي يحمل محاربة الفساد ومقاومته ، وفي أعماقه النية لتحطيم الثقافات والمبادئ والقيم والأخلاق ، وها هي فلسطين تجني ثمار عولمة أحزابها ، والعراق يغرق بنعيم عولمة المنتصرين .
وما الضير من العولمة إن كانت المرأة تبحث عن الماكياج ولا تزدان بالأخلاق ، وفلسطين المرأة التي تبحث عن زينة الحكم ولا تبحث عن كرامة مواطنها وقدسية قضيتها ، إن كنتم لا تدركون أو تعرفون فأسالوا الصحفي ألان جونسون أين يقبع الآن ؟! أو أسماء تجار أراض محافظة رفح من هم ولمن يتبعون ؟!
فلا يهم أن تملئ معدتك بأحد ساندويتشات الهمبرغر السريعة ، المهم أن تشاهد الآخرين كيف يتناولوها ويتمتعون بنكهتها .