عمون - بقلم مصطفى عكرمة
مـــا ضـــلَّ عــنّـا ســـوى الأنــذالِ يــا حـلـبُ ... وحـسْـبُـنـا أنَّــهــمْ فــيـمـا ادّعــــوْا كــذَبــوا
بـاعوا الكرامةَ، أمسى الدّينُ ملبسَهمْ ... وغــيــرَ إرضــــاءِ أهـــلِ الـكـفـرِ مـــا طـلـبـوا
قـد فـاقَ ضـرَّ الأعـادي ضـرُّ مـن فسقوا ... مــن الــرؤوسِ وهــمْ مـهـما عـلـوْا ذنـبُ
هـــمُ الــضَّـلالُ، ومـــن ضــلَّـتْ بــهـمْ زمـــرٌ ... لـــو لـــم يـضِـلُّـوا لــمـا حـاقـتْ بـنـا الـنُّـوَبُ
قــد شـوَّهـوا الـدِّيـنَ حـتـى صـار مـهزلةً ... عـنـدَ الأعــادي بـمـا مــن عـقلِهمْ سـلبوا
وآخـــرُ الـخـطـبِ مـنـهـم مــا دهــى حـلـبًا ... وبــــعـــدَهُ ألـــــــفُ نــــصـــرٍ بــــــاتَ يــقــتــربُ
لا ضــيــرَ مــــن ألــــفِ ألــــفٍ مـــن نـوائـبـنا ... فــإنَّــهــا مـــــا صــحــونَـا لــلــهـدى ســـبــبُ
وكـــــــلُّ عُــــســـرٍ لــــــهُ مــــــن ربِّـــنـــا فــــــرجٌ ... وذاك روحُ الـــــذي تــوحــي بــــه الــكُـتُـبُ
كــم مــرَّ فــي أمَّــةِ الإســلامِ مــن مِـحَـنٍ ... ومـــا اسـتـقـرَّ لــمـن كـــادوا لــهـا هُـــدُبُ
وأنــــتِ يــــا حــلــبَ الـشَّـهـبـاءَ أنــــتِ لــهـا ... وأنـــــــــتِ أمٌّ لـــــمــــا نــــرجــــو، وأنــــــــتِ أبُ
وألـــــــفُ هـــيــهــاتَ إلا أن نــــــراكِ غــــــدًا ... تـزهـينَ عِــزًّا، وأهــلُ الـكـفرِ قــد ذهـبـوا
مـــــــــا دمــــــــتِ مـــؤمـــنــةً باللهِ واثــــقــــةً ... فـالـنَّـصـرُ آتــيــكِ مـهـمـا أُســدِلـتْ حُــجُـبُ
حـــــبُّ الــشَّــهـادةِ فـــــي أرواحِـــنــا قــــدرٌ ... لـــمْ تُـغـرِهـا عــنـهُ فـــي إغـرائـهـا الـرُّتـبُ
دمُ الـشَّـهـيـدِ مــحـالٌ أن يـضـيـعَ سُـــدىً ... فـــإنَّـــهُ مَــــــنْ لــــــهُ قــــــد قُــــــدِّرَ الــغَــلَــبُ
والـصَّـبـرُ فــي الـبـأسِ عِــزُّ الـنَّـصرِ يـتـبَعُهُ ... وهـــل يُـصـفَّـى إذا لـــم يُـمـتَـحنْ ذهَــبُ!
* * * ... * * *
مــا مـثـلُ مــا احـتـملَتْ فـي ضُـرِّها حـلبُ ... تـــكـــادُ مـــنــهُ رواســـــي الأرضِ تــنـتـحـبُ
ســيــولُ مــــا أمــطــروا أنــحـاءهـا حــمـمًـا ... تـلـقى الـصُّـخورَ بـها قـد نـابَها الـعَطَبُ
هـيـهاتَ هـيـهاتَ أن تُـحـصى حـرائقُها ... فـــكــلُّ شـــبــرٍ بـــهــا قـــــد عـــمَّــهُ اللهبُ
لـــو لـــم تــكُـنْ قــدرةُ الـرَّحـمنِ تـحـرُسُها ... بــالـمـؤمـنـيـنَ لـــمـــا ظـــلَّـــتْ لـــنـــا حـــلـــبُ
مــــا خــيَّـبـتْ مــــن تـمـنّـى نـصـرَهـا، ولـــهُ ... مـنـهـا غـــدًا وثــبـةٌ يــزهـو بــهـا الـعـجـبُ
* * * ... * * *
فـــــيــــا لـــــتــــوأمِ دهـــــــــرٍ عــــــــزُّهُ حــــلــــبٌ ... فــخــرُ الـصِّـنـاعاتِ مـنـهـا كـــانَ يُـكـتَـسَبُ
أبــــدعـــتِ كـــــــلَّ يــتــيــمٍ فــــــي أصــالــتِــهِ ... وكـــــلُّــــهُ كــــــــانَ لــلــشــهـبـاءِ يــنــتــســبُ
وكـــــلُّ فـــــنٍّ، ومـــــا قـــــد عــــزَّ مــــن أدبٍ ... وأيـــــنَ أمـــثــالُ مـــــا قـــــد أبــدعــتْ أدبُ!
قــلـوبُ كـــلِّ الـغـيارى قــد سـكـنتِ بـهـا ... وكــــــي تــفــدّيـكَ طـــوعًــا كــلُّــهـا تـــثــبُ
* * * ... * * *
كــانــت وتــبـقـى كــمـا كــانـت لــنـا حــلـبُ ... فــخــرَ الــمـدائـنِ مــــا مــــرَّتْ بــــهِ الـحِـقـبَُ
وخـطـبُـها الـخـطـبُ فـــي تـوحـيدِنا قَــدَرٌ ... ولــيــسَ مــــن قــــدرٍ مــنـجـىً، ولا هـــربُ
والـــيــأسُ كـــــم أبــدَعــتْـهُ هـــمــةً حـــلــبٌ ... وكم تولَّتْ واستحتْ من أهلِها النُّوبُ!
خــســارةُ الــيــومِ ربــــحٌ فـــي غـــدٍ، وغـــدًا ... ســيـعـلـمُ الـــدَّهــرُ مـــــاذا خـــبَّــأتْ حــلــبُ!