من لم يستطع الوقوف بجدية وفهم عميق على محطة التحوّل التاريخية في تطورات المشهد الإقليمي، فهو على وشك الاندثار والزوال، سواء على صعيد الأنظمة والسلطات الحاكمة في العالم العربي، أو على مستوى القوى والأحزاب والجماعات السياسية، حيث بدأت ارهاصات التغير العميق التي تجتاح البنية السياسية العربية التي تشكلت عبر القرن الماضي وبعد مخلفات الحرب العالمية الأولى وفقاً لموازين القوى السائدة آنذاك.
ما جرى في شمال سوريا وتحولات المشهد السوري، وما رافقته من توافقات روسية – أمريكية من جهة، وتوافقات روسية – تركية – ايرانية من جهة أخرى، وكذلك قرار مجلس الأمن الذي فرض على «إسرائيل» وقف الاستيطان وضرورة الانصياع إلى قرارات مجلس الأمن، وكل ما يجري كذلك من تداعيات واهتزازات في المناطق المحيطة بسوريا، يشير بوضوح إلى الاقتراب من نقطة التحول، التي تقضي بتهيئة الأطراف المختلفة للتسوية الشاملة، وفقاً للمعادلات والتوافقات الدولية التي يجري تمريرها عبر الفوضى العارمة ومعارك الاقتتال الدامية التي دفعت ثمنها الباهظ شعوبنا العربية غير الناضجة وغير المهيأة لمقتضيات المرحلة الجديدة. المرحلة العربية القادمة هي مرحلة الشعوب بعد أن فشلت المشاريع السياسية التي دشنتها الأنظمة العربية من مختلف الاتجاهات الفكرية والأيدولوجية، وبعد أن سلخت عدة عقود من الزمن استطاعت خلالها تبديد الثروة العربية الكبيرة على كل المستويات البشرية والمادية، وعجزت عن بناء المشروع العربي القادر على استيعاب طاقات الشباب والأجيال العربية المثقفة في محصلة النهوض والتقدم، وعجزت عن بناء القوة العربية القادرة على حماية مقدرات الأمة وخيراتها وثرواتها، وكانت أكثر عجزاً في بناء الديمقراطية العربية المطلوبة التي تمكن الشعوب من اختيار حكوماتها ومحاسبة رؤسائها.
إن إدراك لحظة التحول المطلوب يتمثل بامتلاك القدرة على قراءة المشهد والوقوف على تفصيلاته بدقة، وبعد ذلك الشروع الفوري بامتلاك القدرة الكافية على إعادة بناء الذات والحصول على القوة؛ تجعلنا قادرين على البقاء من خلال صناعة الدور السياسي الحيوي الفاعل والمؤثر في تحولات المشهد القادم، وهنا ينبغي النزول بالسؤال عن مستقبل الأردن في خضم هذه التحولات المثيرة.
– الأولوية الأولى لدينا تتلخص بإنجاز المشروع السياسي الوطني الذي يجعل الشعب الأردني كله ملتفاً حول مشروعه الديمقراطي، من خلال صناعة الشراكة السياسية الحقيقية المستندة إلى الشرعية الوطنية التي تمثل مصدر القوة الأولى، وضرورة الشروع بتدشين مرحلة حزبية جديدة قادرة على تأطير الشباب في مشاريع سياسية وطنية، وتبتعد فيه عن الاستغراق في كل أشكال التعصب.
– الأولوية الثانية تتمثل ببناء الاقتصاد الوطني المرتكز على الانتاج الذاتي، وإدماج الشباب في مشاريع انتاجية وطنية، عبر رؤية وطنية واحدة تقوم على فلسفة الاعتماد على الذات والتخلص من مسار الاعتماد على المساعدات والمنح الخارجية بكل أشكالها وصورها.
– الأولوية الثالثة الذهاب إلى إنجاز المشروع التربوي التعليمي الذي نستطيع من خلاله إعادة بناء الإنسان الأردني المتعلم الحر الواعي المنتمي القوي عقلاً ووجداناً وروحاً وبدناً، والقادر على حمل مشروعه الرسالي النهضوي على طريق بناء المشروع العربي الكبير.
– الأولوية الرابعة تتمثل بإنجاز مشروع ثقافي وطني يقوم على توحيد الهوية الأردنية، والتخلص من الانتماءات الجهوية الضيقة، والثنائيات التي تفرق الأمة وتبدد طاقتها في صراع عصبوي مقيت، وتعزيز الانتماء الوطني المفعم بروح الوحدة الحضارية والذي يعلي شأن منظومة القيم النبيلة.
الدستور