فقر وشاشات وشراكة غائبة حسن الشوبكي بعضهم يتكاثر كالفطر في الارض وتنتشر معاناته وتتسع مع اتساع دائرة الفاقة ، واخرون يعضون على جرح الكرامة وينأون عن السؤال، وهذه مطلقة اودى بها الطلاق الى غياهب الفقر ، وتلك طالبة لا تعلم كيف تؤمن رسومها الجامعية للفصل المقبل .. منهم من هو ضحية لازمة اقتصادية وغلاء متصاعد عالميا ومحليا ، لكن كثيرين يقعون ضحايا لازمات اجتماعية ناجمة عن الجهل والتشرد والمخدرات والجريمة .
تفاجئت قبل بضعة ايام من حجم ردود الفعل التي سمعتها وشاهدتها اثر تقريرعن الفقرقمت باعداده وبثته فضائية الجزيرة الجمعة الماضية بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفقر، تلك الردود تراوحت بين بكاء زوجة احد الاثرياء حزنا من الم الصورة التي انطوت على وضع قاس لامرأة في عقدها السادس وشقيقين لاحول لهما ولا قوة ، واندفاع مستثمر اردني مقيم في استراليا لتأمين بيت لتلك المرأة ، ومعونات بتقديم مدفأة لهذه المحرومة من عشرات الاتصالات التي بدا من نبرة اصواتهم انهم متأثرين لوضعها ويسعون لتقديم العمل الخيري لها ولغيرها .
المشهد برمته يؤشر على صورة التكافل في البلاد وهي لا تزال بخير ، حيث ضمائر الناس يقظة وتتطلع الى فعل الخير ، بيد ان واقع اعمال الخير في البلاد يمر بسلسلة عثرات يجب ان تنتهي وتتوقف حتى يتم ردم الفجوة او تقليصها بين الاغنياء والفقراء .
في تشخيص العثرات ، تبدو المظاهر الزائفة والبحث عن الشكل والترويج المقصود لصورة العمل الخيري كاحدى اخطر امراض وعثرات هذا النوع من الانشطة ، فمن ردود الفعل التي استوقفتني اثر تقرير الفقر ان عددا من المتبرعين وهم من الشخصيات المحسوبة على السياسة والاقتصاد طلبوا الظهورعلى الشاشة لأنهم تبرعوا لهذه المرأة الفقيرة ، وضمن سياق مشابه حدثني احد الاصدقاء ان نائبا تبرع لعائلة بكفالتها وسد حاجاتها بمبلغ مئة دينار شهريا امام كاميرا التلفزيون الاردني ، لكن المئة التي دفعها امام الكاميرا كانت الاولى والاخيرة بعد ان اوصد بابه امام تلك العائلة ، لتتحمل كفالتها جمعية المركز الاسلامي في وقت لاحق . وبتجاوز هذا الاستعراض المفضوح في عمل الخير الذي لا ينسجم والاخلاق او الدين ، فأن الاشكالية الثانية تكمن في تسلل الفساد والواسطة والمحسوبية الى ملف العمل الخيري - الرسمي وغير الرسمي – من خلال توزيع معونات واموال على من لا يستحقها ، ولعل الحكومة تعاني اكثر من غيرها في هذا الشأن ، فبينما ينفق صندوق المعونة الوطنية 80 مليون دينار سنويا من خلال تعامله مع 70 الف حالة فقر وعوز ويتم ، فان نسبة لا يمكن تحديدها كما لا يمكن التقليل من اثرها السلبي تتحول اليها المساعدات دون وجه حق ، وذلك من خلال التحايل او الكذب او تسجيل اسماء المحتاجين دون التثبت من واقعهم وحقيقة فقرهم .
وفي اتجاه مغاير ، يقول مسؤولون في جمعية المركز الاسلامي – التي بسطت الدولة يدها التي مضى على نشاطها الخيري اكثر من 45 عاما ان الجمعية لا تقدم العون والكفالات للاسر الفقيرة او الايتام الا من خلال دراسة وبحث الحالة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي واكثر من مرة، وهي الجمعية التي تكفل نحو 16 الف يتيم واكثر من 32 الف اسرة فقيرة وتمول دراسة بضعة الاف من الطلبة الجامعيين عبر المساعدات والاموال التي تتدفق الى الجمعية من المجتمع المدني بكافة فاعلياته بوصف الجمعية وسيطا بين من يملك ومن لا يملك .
عدد الفقراء يزيد وظاهرة الفقر تتسع ،وفي مواجهة ذلك ، يجب ان تتطور طبيعة النشاط الخيري في البلاد وعلاقة المؤسسات ذات الصلة بملاحقة هذه الظاهرة ، فبدلا من وضع جمعية المركز الاسلامي امام المدعي العام قبل 27 شهرا ، يجب ان تسعى الحكومة الى صهر طاقات مؤسساتها مع طاقات وقدرات باحثي هذه الجمعية الميدانيين وصولا الى افق تعاوني فيها شراكة حقيقية بين الجانبين لمواجهة الفقر وتداعياته ، فمن العبث حل هذه الجمعية او التقليل من شأنها ومن العبث ايضا عدم دمج قدرات كل المؤسسات الناشطة في مجال العمل والخيري ومساندة الفقراء في بوتقة واحدة ، والاستفادة من خبرات وتجارب هذه المؤسسات مجتمعة ومنها صندوق المعونة الوطنية ، صندوق الزكاة التابع لوزارة الأوقاف ، و56 مركزا لرعاية الايتام والفقراء تابعين لجمعية المركز الاسلامي .
المأسسة تتطلب انشاء بنك للمعلومات عن الفقراء يخضع عمله لتقييس علمي صارم وبما يوثق للخبرة الميدانية التي يحصل عليها الباحثون في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ، والمأسسة تقتضي تقديم المساعدات على نحو شفاف وبعد الدراسة والتمحيص وان يتم الانفاق في اوجهه الصادقة لا تلك المبنية على الخداع والدجل ، وابعد من ذلك ، تتطلب المأسسة ان ترتبط كل هذه المؤسسات مجتمعة مع ذراع للمشاريع يتم عبرها نقلها الفقراء من واقع الى واقع اخر وعدم الارتكان الى تقديم الاموال الشهرية فقط لهم .
عن الغد.