تؤشر انتخابات لجان مجلس النواب على بؤس حال النخبة الأردنية. فلا هوية فكرية ولا سياسية ولا حتى توافق في المصالح العامة يحكم حراك النواب، في وقت يفترض فيه أن يكون المجلس خزانا يمد الدولة والمجتمع بالقيادات.
لم يتعرض مجلس نيابي للهجاء كما المجلس الحالي، ومهما بلغ الكاتب من جرأة لا يستطيع كتابة ما يقوله النواب أنفسهم بحق المجلس. ومع ذلك سيظل هذا المجلس أفضل بكثير من المجلس المقبل في حال استمر القانون الانتخابي نفسه. فاستطلاعات الرأي الدورية تكشف أن كل مجلس أسوأ من سابقه، سواء في الدور الدستوري تشريعا ورقابة أم في الدور الخدمي المستحدث.
ولا يشذ التردي هذا عن السياق العام، فمؤشر الثقة في الحكومات والأحزاب في انحدار، ولا يوقفه ويرفعه إلى أعلى غير تغيير جذري يبدأ بقانون الانتخابات يعيد الاعتبار للدور الدستوري لمجلس النواب. ومنذ قانون الصوت الواحد في العام 1993 عجزت النخب البائسة عن وقف التراجع في مسار الإصلاح السياسي، وظلت مبادرات الإصلاح السياسي مقصورة على الدولة سواء أكانت جدية أم نوعا من العلاقات العامة.
وما يخشى منه أن يكون قطاف موسم هجاء مجلس النواب هو حل المجلس وتعطيل دوره كما حصل في حكومة علي أبو الراغب. وبقاء مجلس ضعيف خير من تفرد السلطة التنفيذية بالقرار. فالمطلب الإصلاحي هو قانون انتخابات ومجلس جديد، ولو تطلب ذلك إكمال المجلس الحالي السنوات الأربع.
لا يشغل ذلك بال كثير من النخب. الأولوية اليوم هي للتعديل؛ يلح على فكرها ووجدانها السؤال الوجودي: كيف أدخل في التعديل؟ تزدحم الإجابات؛ قليل من المناكفة والشغب ويسكتونني. لا! ربما أفقد الفرصة إلى الأبد لو وصمت بتهمة المعارضة. لا بد من إظهار الولاء المطلق وكيل المدائح ونسج علاقات محكمة مع مفاتيح الرئيس. مقابل النخب الطامحة بالمقعد تصطك ركب النخب الخائفة على المقعد. فليس في الأردن أسوأ من مغادرة موقع المسؤولية، بلد يحسن الاستقبال ولا يحسن الوداع.
تضع النخبة عجلة الإصلاح على السكة عندما تقول بوضوح: لا أريد أن أكون نائبا ولا وزيرا.. ولا مطمح لي في موقع عام. عندما لا تمد يدها تسأل منافع خاصة وأعطيات. عندما تكون يدا عليا تترفع عن ذل السؤال.
ليست قصيدة حماسية، ليستكمل عمل الأجندة الوطنية من حيث توقف. ولتشكل لجنة وطنية لصياغة قانون انتخابات يتجاوز كارثة الصوت الواحد المجزّأ. يمكن الحوار حول مقترحات الأجندة في الصوتين، صوت وطني للقائمة النسبية وصوت للدائرة. ويمكن أن يصدر قانون في شهرين أو في سنتين، لا ضير.. في التأني السلامة.
تتصدى بعض النخب البائسة للإصلاح بحجة أن تغيير قانون الانتخابات يمهد للوطن البديل. والواقع أن قانون الانتخابات هو القلعة الحصينة التي تمنع العبث بسلاح الديموغرافيا الفلسطينية وتجعلها عبئا على دولة الاحتلال. لا أحد يطرح أن تكون الدوائر وفق الوزن الديموغرافي. هذه دوائر الضفة الشرقية قبل فك الارتباط، ولا ترسم حدودها وفق حركة الدبابات الإسرائيلية. والعودة عن فك الارتباط تعني أمرا واحدا انسحاب إسرائيل إلى حدود الخامس من حزيران، وساعتها سيترشح يعقوب زيادين عن القدس كما حصل عقب وحدة الضفتين.
لم يطرح في انتخابات عام 1989 موضوع الوزن الديمغرافي، وظلت تلك السنة مرجعية التحول الديمقراطي. واليوم لا يطرح هذا الموضوع إلا من وكلاء إسرائيل، المطلوب هو إصلاح آليات الانتخاب، وإن صلحت ستغادر النخب بؤسها المقيم. وسنشهد انتخابات لجان يقطع فيها أوباما حملته الانتخابية لمتابعة نتائجها، كما حصل أمس!
...