بعد أيام قليلة نودع سنة من عمرنا، سنة كانت امتداد لسنوات عدة سبقتها، توالت فيها على منطقتنا أحداث كثيرة، اتسم معظمها بالطابع المأساوي الحزين الذي لا يزال يخيم على كثير من دول المنطقة التي تعيش اضطرابات عدة على أكثر من صعيد، بعضها بفعل التدخلات الدولية المعقدة، وبعضها بسبب القصور في أداء أبنائها الذين بدوا نتيجة ضعفهم عاجزين عن أي فعل أو رد فعل مناسب.
فالولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل القوة العظمى في العالم، والتي كان يعول عليها أن تكون صمام الأمان للعالم كله، استمرت خلال هذه السنة في سياستها التي تقدم فيها رجلاً وتؤخر أخرى، فكان ترددها سبباً في تأجيج الصراعات أو الإبقاء عليها، بداية من موقفها المتذبذب مع إيران ومحاباتها المبطنة لها، مروراً بتدخلها غير الحاسم للقضاء على داعش في العراق وسوريا، وانتهاء بموقفها من الأزمة السورية الذي أظهرت من خلاله تناقضات كثيرة أسهمت في تعقيد الأزمة وزيادة معاناة الشعب السوري الذي باتت أزمته الأكثر مأساوية في تاريخ البشرية المعاصر.
الدولة الثانية التي كان لها دور كبير في مآسي هذه السنة هي إيران، التي تصر على المضي قدماً في مشروعها الطائفي الرامي إلى توسيع نفوذها الإقليمي مستغلة اتفاقها مع الدول الكبرى حول مشروعها النووي. ومن أجل ذلك تابعت إيران تدخلها السافر في شؤون أربع دول عربية، بدءاً بالعراق الذي كان لوجودها العسكري ونفوذها السياسي فيه دور كبير في زيادة الفوضى وتحويله إلى دولة فاشلة، وساعدها على ذلك أن جزءاً من العراقيين أسلموا قيادتهم لهذا الجار الذي يباهي جنرالاته وقادته السياسيين بأنهم يمتلكون القرار في بغداد.
ولم يكن تدخل إيران أقل شأناً في اليمن من خلال دعمهم المادي والمعنوي والعسكري للحوثيين، في خطوات تهدف إلى تصدير الطائفية المقيتة إلى اليمن، وتسعى إلى تدمير التعايش الذي حافظ عليه اليمن خلال السنوات الماضية على الرغم من وجود صعوبات سياسية واقتصادية مختلفة.
فإيران لا تستطيع أن تتخلى عن بعدها الطائفي، بل هو النسغ الذي تعيش عليه، وهي تمضي في هذا الطريق غير مبالية بالوسيلة التي تستخدمها، فتارة تلجأ إلى المال لشراء الذمم، وتارة أخرى تعتمد السلاح وسيلة لتوسيع الشقاق الطائفي، وتقويض الشرعية في هذا البلد الطيب. وحسبنا أن نشير إلى سفن الأسلحة التي ضبطتها قوات البحرية الأمريكية وبحرية دول التحالف العربي، والتي كانت إيران تسعى إلى إيصالها لأذنابها الحوثيين.
وعلى غرار اليمن، كان تدخل إيران في سوريا منذ الأيام الأولى للأزمة السورية، سواء من خلال دعمها السياسي والمالي للنظام السوري، أو من خلال وجودها العسكري في سوريا، والذي لم يعد يخفى على أحد بعد سقوط عدد من جنرالاتها وجنودها قتلى في الأراضي السورية، وكذلك بعد التصريحات المستفزة لعدد من قادتها السياسيين والعسكريين الذين ارتفعت عقيرتهم بالتهليل بـ"النصر المؤزر" في حلب التي كان للجيش الإيراني دور كبير في حصارها.
وإلى جانب العراق واليمن وسوريا، تابعت إيران تدخلها في شؤون دولة عربية أخرى هي لبنان، وذلك عبر ذراعها وحليفها الأكبر في المنطقة "حزب الله" اللبناني. ويكفي أن نشير هنا إلى أن حسن روحاني كان أول المهنئين للعماد ميشيل عون عقب انتخابه رئيساً لبنان بعد تعطيل للانتخابات الرئاسية استمر أكثر من عامين ونصف العام، بسبب إصرار "حزب الله" الذي يمثل "دولة" داخل الدولة على وصول حليفه إلى كرسي الرئاسة. فضلاً عن أن هذا الحزب كان السند الأهم لإيران في تدخلها في سوريا، حيث سقط أكثر من 1600 من مقاتليه قتلى على الأراضي السورية منذ اندلاع الحرب فيها.
وإضافة إلى الدول الأربع السابقة حاولت إيران العبث في أمن مملكة البحرين وتأجيج الصراع الطائفي فيها، غير أن الدعم الكبير الذي تقدمه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أسهم في إفشال مخططات إيران، وجنّب مملكة البحرين مخاطر كثيرة.
الدولة الثالثة التي كان لها دور سلبي مؤثر في أحداث المنطقة كانت تركيا، وسواء كانت تدخلها ناجماً عن الشعور بالزهو والخيلاء وبأنها وريثة السلطنة العثمانية، أو كان ردّ فعل على محاولات جارها اللدود "إيران" الهيمنة على المنطقة، فإن ذلك التدخل في العراق وسوريا على حد سواء أسهم في تعقيد الأزمات في المنطقة، وهو أمر كان له ارتداداته السلبية على الداخل التركي الذي شهد خلال سنة 2016 محاولة انقلاب كادت تطيح "عرش" أردوغان، فضلاً عن التفجيرات الكثيرة التي شهدتها مناطق تركية عدة، وانتهاء بالمشهد الهوليودي الذي قتل فيه ضابط شرطة تركي السفير الروسي لدى أنقرة، وهو حدث لا أظن أنه سيمر بسلام على تركيا، وإن كانت روسيا قد أظهرت شيئاً من ضبط النفس في تعاملها معه.
وتبقى دولة رابعة كانت طرفاً فاعلاً ومهماً في أزمة المنطقة، وهي روسيا "البوتينية" التي استغلت تذبذب الولايات المتحدة وتلكؤها فحاولت تثبيت قدمها في المنطقة من خلال دعمها للنظام السوري الذي يمثل حليفها الوحيد في المنطقة، وكان من الواضح أنها زادت حجم تدخلها العسكري والسياسي في سنة 2016 مستندة إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لن يستطيع الوقوف في وجه مخططاتها في سنته الأخيرة من الحكم التي انشغل الأمريكان في الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن وصول رئيس جمهوري يميني ترددت أقوال كثيرة عن دعم روسي مبطن أسهم في وصوله للحكم!!.
لا يمكن الحديث عن سنة 2016 من دون إلى التطرق إلى الإرهاب الذي ضرب هذا العام في أكثر من بقعة من بقاع العالم، فإضافة إلى الدول التي أشرنا إليها، وتشهد نشاطاً كبيراً للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها داعش الذي لا يزال يسيطر جغرافياً على بعض المناطق في سوريا والعراق، وصل الإرهاب إلى أوروبا فضرب كلاً من ألمانيا وفرنسا أكثر من مرة، وهو الأمر الذي حاول بعض الغربيين استثماره لتشويه صورة الإسلام وإلصاق صفة الإرهاب به، وإن كانت هناك بعض الأصوات العاقلة التي تميّز بين الإسلام السمح وما تقوم به تنظيمات إرهابية متطرفة تبرأ منها المسلمون أنفسهم.
وبطبيعة الحال لم تسلم دول عربية وإسلامية من الهجمات الإرهابية، فكانت مصر مسرحاً لعدد منها، فيما شهدت الأردن في الشهر الأخير من العام أعمالاً إرهابية تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار فيه، وتوسيع مسرح التطرف والإرهاب في المنطقة.
وشهد هذا العام تراجعاً جديداً في شعبية تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، حيث فشل التنظيم في حشد أتباعه للتظاهر في نوفمبر الماضي، والأمر نفسه ينطبق على التنظيم الدولي للإخوان الذي أدركت الشعوب العربية خطر الانجرار وراء مشروعاته العابرة للأوطان.
وسط هذه الأمواج المتلاطمة من الاضطرابات، استطاعت دول الخليج العربي الحفاظ على درجة عالية من الأمن والاستقرار، فظلت في منأى عن مخاطر الإرهاب. وأثبت مجلس التعاون الخليجي أنه لا يزال المؤسسة الفاعلة في ظل تضاؤل فاعلية كثير من المؤسسات الدولية والإقليمية. ولا شك في أن ما قامت به دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية من تحجيم للدور الإيراني ومحاصرة للتطرف الحوثي في اليمن قد أسهم في إبقاء دول الخليج العربي آمنة مستقرة، لم يعكر صفوها إلا محاولات لاهثة من الحوثيين لتعكير صفو الأمن في السعودية عبر إطلاق بعض الصواريخ، ومحاولات أسيادهم الإيرانيين افتعال مشكلة مع المملكة في موسم الحج، تعاملت معها الحكومة السعودية بحكمة كبيرة، فكان الحج هذا العام آمناً سالماً بغياب الإيرانيين.
تلك هي جردة سريعة وقراءة لسنة 2016 التي نأمل أن يكون ما بعدها خير منها، وأن نكون قد استفدنا من دروسها، فلا خير فينا إن لم تكسبنا الأيام التي تمر خبرات جديدة في التعامل مع ما هو آتٍ.
الحياة.