كيف أصبح هؤلاء إرهابيين ؟!
حسين الرواشدة
26-12-2016 01:38 AM
لا يوجد لدينا دليل أو “كتالوج” خاص لمعرفة الإرهابي او التعرف عليه، فهو يحمل ملامحنا، ويتحدث في الغالب بلساننا ويعيش بيننا، لكنه يضمر داخل شخصيته “نمطاً” او بصمة مختلفة، وربما جينات خاصة تختلف عمن سواه من الأشخاص الطبيعيين.
حين دققت في “السيرة” الذاتية للشباب الأربعة الذين نفذوا العملية الإرهابية في الكرك وجدت انه لا يوجد دافع محدد (ديني او سياسي او اقتصادي) وراء ما ارتكبوه، وجدت ثانيا انه لا يوجد بيئة محددة يمكن ان يخرج منها الإرهاب فكل البيئات بالنسبة له مناسبة، لكن في المقابل وجدت انه يوجد ملامح واشارات قد تساعدنا في معرفة التغييرات الفكرية والسلوكية للشخصية الإرهابية سواءً اكانت مرتبطة بزمن طويل او بوقت أقصر باعتبارها تشكل (ملامح التطرف) ، كما وجدت انه يوجد لدينا حواضن فكرية للتطرف بدرجة اكبر وحواضن اجتماعية بدرجة أقل.
حين دققت اكثر في الأسباب التي يمكن ان تقلب الشخصية الإنسانية الى شخصية إرهابية وجدت ان الوقوع في (غواية ) التطرف مسألة نفسية اولاً ، تغذيها عوامل أخرى متنوعة، ومفتاح هذه الشخصية المضطربة نفسياً هو الإحساس “بالفشل” او الخيبة واليأس، وهذا الإحساس كفيل بأن يدفع الشخص للبحث عن “الخلاص” بأية طريقة، كما انه اقصر طريق للوقوع في فخ التنظيمات الإرهابية التي تقوم بعمليات ضخمة للبحث عن “فرائسها” واصطيادهم، وهي هنا لا تعدم الوسائل ولا المضامين “لمسح” أدمغتهم، وجذبهم الى صفوفها بالاعتماد على نقاط ضعفهم وحاجاتهم الى “وصفة” للخروج من حالة “الفشل”..واليأس التي يعانون منها.
في سياق البحث عن “الفريسة” تعتمد التنظيمات الإرهابية ثلاث مراحل للتجنيد، الأولى مرحلة الاستقطاب حيث توهم الضحية انه اهتدى الى الطريق الصحيح وغالبا ما تستخدم الغطاء الديني لإقناعه بذلك، ثم مرحلة التكفير التي تقنعه من خلالها انه ضمن لنفسه مقعداً على مدرجات “الفئة الناجية”، او انه إذا لم يكن “متديناً” وجد الفرصة للتطهر من ذنوبه، اما المرحلة الأخيرة فهي نقله من “الفكرة” الى التنفيذ، حيث الامتحان الذي يثبت فيه لنفسه انه غير فاشل.
تحرص التنظيمات الإرهابية –هنا – على الوصول الى العناصر المؤثرة داخل العائلة في محاولة منها لتجنيد الاقرباء والاشقاء، وهي تفعل ذلك للاستفادة من العامل الاجتماعي باعتباره مجالاً مناسباً لتغذية نوازع الإرهاب، سواء من خلال التقارب الفكري داخل العائلة او الثقة بينهم او ضمان عدم انكشافهم لسهولة الحركة والاتصال بينهم، حيث تشير احدى الدراسات ان نحو 30% من العمليات الإرهابية التي نفذتها هذه التنظيمات كان افرادها من الأقارب والمعارف، كما تشير دراسة أخرى ان نحو 64% من العائلات والأصدقاء تدرك نيات احدى افرادها بمزاولة او إمكانية مزاولة النشاط الإرهابي.
نلاحظ هنا ان لدى الأشخاص الأربعة الذين نفذوا عملية الكرك الإرهابية أنماطا متشابهة، فهم من بيئة اجتماعية واحدة (اشقاء وانسباء) ومن اعمار متقاربة (نهاية العشرينيات) وحازوا على مستوى تعليمي متوسط، كما ان مستواهم الاقتصادي متوسط أيضا، نلاحظ ايضاً ان هؤلاء الشباب يتوزعون على حدود التطرف الديني واللاديني، لكن الرأس المدبر الذي حركهم يحظى بمكانة دينية اهلته لقيادتهم نحو هدف واحد ونتيجة واحدة أيضا.
فيما وراء “الستارة” ثمة إطارات يمكن الاستفادة منها لفهم طبيعة هؤلاء الشباب الأربعة، الإطار الأول يتعلق بالمرجعية الفكرية التي ألهمتهم، وهو شخص يعاني من امراض نفسية وقد أودع في أحد مراكز المعالجة النفسية، اما الإطار الثاني فهو المنطق الذي انطلقوا منه قبل واثناء تنفيذهم العملية الإرهابية، حيث تحركوا ولديهم رغبة في الانتقام من المجتمع، وهي رغبة تحركها أسباب متنوعة تم تصريفها “دينياً” ، لكن يجب ان لا نمكنها من الحصول على أي قبول او تعاطف في اية دائرة اجتماعية حتى لو كانت صغيرة.
نحتاج – بالطبع – إلى مزيد من البحث -في المجال الاجتماعي تحديداً- ، للإجابة على سؤالين مهمين: الأول كيف وقع هؤلاء الشباب في “غواية” التطرف في فخ الإرهاب، وما علاقة “بيئاتهم” الاجتماعية بذلك؟ ثم كيف نجحت التنظيمات الإرهابية بتجنيدهم واقناعهم بتنفيذ العملية، كم من الوقت استغرقوا لفعل ذلك، ثم أين كنا نحن مما جرى؟
الدستور