لم يمض على ظهور نتائج الثانوية العامة ثلاثة أشهر حين لقيتني معلمة لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها، تواجه صفا مدرسيا لطالبات تتراوح أعمارهن ما بين السابعة والثالثة عشرة..
كان ذلك في بدايات خريف 1965، تقدمت بطلب للعمل كمعلمة في المدارس التابعة لرئاسة تعليم البنات.. بعد أسابيع استدعيت للمقابلة.. جلست كتلميذة أمام سيدتين مهيبتين..
سألتني( شكران) المشرفة التربوية والقادمة من سوريا : هل تقرأين؟ أومأت برأسي أن نعم ، أعقبتها( نجاح خلوصي): ماذا قرأت من روايات ..؟
انتهيت للتو من قراءة رواية البؤساء .. ثم حدثتهما عن الروايات التي شغفت بها. ..وقبل أن أختم حديثي .. هبط علي سؤال أخر: وماذا عن المجلات؟ استحضرت ذاكرتي المجلات التي كنا نتابعها آنذاك : آخر ساعة و روز اليوسف وصباح الخير، العربي والوطن العربي.. : أي الأبواب أحببت في مجلة العربي؟
سألت شكران : الاستطلاع المصور ومن أخطاء القضاء.. بعدئذ بدأتا توجهان لي أسئلة في صميم مهنة التعليم: هل ترسمين؟ : كلا.. : افترضي أن موضوع الدرس تطلب منك توضيحا بالرسم ماذا ستفعلين؟
أجبتها فورا: سأرسم وبدأت في رسم بنات وأولاد ..ابتسمت بحنو، كما لو أنها ربتت على كتفي.. وماذا لو أن طالبة أخبرتك أنها لم تفهم ما شرحت.. سأعيد الشرح للصف مع التركيز عليها.. استغرقت المقابلة ما يقارب الساعة ..أو ربما هيأ لي ثراء الحوار ذلك، تخللها أسئلة متنوعة مابين الشخصي والعام لا أذكر أني ارتبكت ، ليس بسب قوة شخصيتي وتماسكي، إنما لأنهما كانتا على مستوى من المهنية واللباقة العالية، لم أرتعد ولم ينتابني أي شعور بالرهبة أو الخوف.. رغم أنهما تتمتعان بقدر وافر من الهيبة والوقار المهني وبحضور إنساني شفاف! فيما بعد .. سأتلقى المزيد من التعزيز والتوجيه من كل من نجاح خلوصي وشكران ، الغريب في الأمر والذي أأسف له حقا أن الذاكرة لا تسعفني الآن في استحضار الاسم العائلي لشكران وحتى اليوم..
وبعد ما يزيد عن الأربعين عاما مازلت أدين بالامتنان إلى تلك المقابلة..
rabeea.alnasser@gmail.com