دروس أردنية من واقعة الكرك
رجا طلب
23-12-2016 05:22 PM
الهجمة الإرهابية التي استهدفت الأردن مطلع الأسبوع الفائت هي تأكيد على أن الاستقرار في الأردن بات مستهدفاً أكثر من أي وقت مضى، وتحديدا من قبل تنظيم داعش الذي مني بهزائم متتالية في مواجهته مع الأردن وشعبه ونظامه السياسي والأمني، فالتنظيم لديه قناعة بأن إضعاف حالة الاستقرار الأردنية والإجهاز عليها سيحقق له انتصاراً استراتيجياً يتمثل في التخلص من آخر حلقة صمود في وجه الفوضى الإقليمية وهو ما سيجعل من "داعش" اللاعب الأبرز في تحديد مصير المنطقة واستقرارها بعد أن بات هذا التنظيم لاعباً أساسياً في سوريا والعراق وصحراء سيناء وليبيا.
الأردن بشقيه الشعبي والرسمي شكل وعلى مدى سنوات تحدياً جدياً لمشروع داعش المتمثل بنشر الفوضى والرعب بالمنطقة، وعمل التنظيم ويعمل وبكل ما لديه من إمكانات من اجل اجتياز "القلعة الأردنية " وإخضاعها لمعادلة الفوضى وإلحاقها بمشروعه الإقليمي المشار إليه وفي ذهنه تجربة تنظيم القاعدة الفاشلة مع هذا البلد الذي كان من أوائل الدول في العالم التي نجحت في إفشال مخططاته والكشف عن مئات العمليات الإرهابية الكبرى التي كان ينوى تنفيذها داخل الأردن وفي العالم.
في الهجمة الأخيرة في قلعة الكرك وقرية "قريفلا" كانت هزيمة الإرهابيين مزدوجة بمعنى أنها أفشلت المخطط الإرهابي الذي كان يستهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من المواطنين خلال احتفالات عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية من ناحية، ومن ناحية أخرى اكتشافه لمدى صمود وقوة الجبهة الداخلية الأردنية ومدى التفاف الناس حول الدولة وأجهزتها الأمنية، وهو أمر يعلم مدلولاته جيداً قياديو هذا التنظيم الإرهابي ويدركون أن هذا الالتفاف عميق وقوي وهو صخرة تتحطم عليها كل المخططات في اختراق الشارع الأردني.
ومن المهم في هذا المقام التوقف عند ملامح وصور صمود الجبهة الداخلية الأردنية في مواجهة الإرهابيين والقتلة والتي شكلت مدينة الكرك نموذجها الناصع ومن أبرز تلك الصور ما يلي:
أولاً: هبة المواطنين لمساعدة الأجهزة الأمنية في مواجهة وقتال المجموعة الإرهابية التي تحصنت في قلعة الكرك، وهي حالة نادرة لم يسبق أن جرت في أي مواجهة مع الإرهاب ومع القاعدة وداعش تحديداً لا في الوطن العربي ولا في أي مكان آخر.
ثانياً: كان الغضب الشعبي العفوي والتلقائي هو سيد الموقف ورسم صورة حقيقية وناصعة عن مدى كراهية واحتقار أبناء الأردن لتلك التنظيمات الظلامية، والاستعداد للتضحية والاستبسال في مواجهتها ودحرها وهو ما أكد على الرسائل العديدة التي أرسلها الأردنيون للجماعات الظلامية في مواقف وأحداث سابقة ومن أبرزها أن الشعب الأردني بوعيه وتكوينه الديني والثقافي ليس بيئة حاضنة للإرهاب بل بيئة طاردة له، كما أن المناخ الأردني العام هو مناخ خال من التناحر السياسي الموجود في معظم الأنظمة السياسية العربية، واقصد هنا التناحر بين الشارع والسلطة السياسية كما هو الحال في سوريا وقبلها في العراق وليبيا واليمن، بل على العكس فإن الأردن يكاد يتفرد في موضوع الولاء لقيادته الممثلة بشخص الملك، ففي الوجدان الأردني الجمعي الملك هو الدولة وهو حارس الوطن ولم يكن في يوم من الأيام حالة خلافية على غرار "الجمهوريات الوراثية العربية"، وشكل منذ بدايات تأسيس المملكة في العشرينيات من القرن الماضي حالة الارتكاز والعمود الفقري للدولة وحالة الاستنهاض الوطني.
ثالثاً: لم تكن مبادرة المواطن الأردني محمد عيد الحجايا الذي اشتم رائحة حريق البارود المنبعث من شقة الإرهابيين في منطقة القطرانة وقام على الفور بالاتصال بالأجهزة الأمنية وإبلاغها بالواقعة إلا تأكيداً على الولاء الفطري والوجداني للوطن.
رابعاً: في واقعة الكرك أنتج الأردنيون فعلاً إنسانياً نادراً وغير معهود، الفعل كان براءة أهالي الإرهابيين من أفعال أبنائهم بل وعدم استلام جثثهم، وهو ما يسند تلك المنظومة الأخلاقية والسلوكية للأردنيين في تحديهم للإرهاب والإرهابيين ويعززها بقيم نبيلة ورجولية.
خامساً: رغم التعقيدات التي صاحبت العملية الإرهابية وحدوث بعض الثغرات التي أثارت انتقادات شعبية عبر الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن الأردنيين وبكل ما يملكون من حرية تعبير متاحة لم يوجهوا سهام نقدهم للأجهزة الأمنية بل قذفوها في صدور السياسيين، لإيمانهم أن نقد المقاتل بالميدان هو عمل خسيس يُضعف من معنوياته التي من الواجب أن تكون في كامل جاهزيتها.
واقعة قلعة الكرك إنتاج نوعي "للنخوة الأردنية" وهزيمة نكراء للإرهاب، ودرس مفعم بالمعاني والقيم للآخرين!