من أكثر وجوه «الإرهاب» خطورة على المجتمعات البشرية عندما يصبح «الإرهاب» صناعة وتجارة لدى بعض القوى الدولية والإقليمية، وعندما يصبح مجالاً للاستثمار المتعدد الوجوه ومنها الاستثمار السياسي من خلال جعله حرفة متقنة لبعض أجهزة الاستخبارات العالمية الكبيرة، بحيث تجعل منه أداة سياسية فعالة في تنفيذ خطط وبرامج سياسية موضوعة، وتحقيق أهداف وغايات مهمة على صعيد تأديب بعض الدول والأنظمة والشعوب، وعلى صعيد إعادة بناء العلاقات وإعادة بناء التوازنات في اللعبة السياسية الجارية على المستوى العالمي والإقليمي.
تنجح صناعة «الإرهاب» في المنطقة العربية لعدة عوامل وأسباب كثيرة وعديدة، بعضها يعود لكونها بيئة مناسبة لاستنبات بذور العنف والتطرف، وذلك لوجود القابلية لدى شعوبها أو لدى بعض أفرادها على الأقل من أجل عدم التعميم والمبالغة، ولوجود مساحات واسعة من التخلف المصحوب بالتعصب والأحقاد التاريخية المتوارثة، التي يتم النفخ بها بطريقة موجهة، وقد تم دراسة هذا الأمر بعناية وبنيت عليها خطط وبرامج وإذاعات وفضائيات ومنظمات وعمائم وأموال ومراكز وخبراء.
أما العامل الآخر فيعود لهشاشة معظم الأنظمة السياسية وضعفها، من خلال اعتمادها على سياسات الكبت والقهر والعصا الغليظة في قيادة الشعوب لمدة تزيد عن نصف قرن من الزمن، حيث ازدهرت لديها سياسة السجون والمعتقلات، والذهاب إلى منهج ترهيب الشعوب وتخويفها بالقبضة الحديدية، التي أدت إلى فقدان الإلتفاف الشعبي والجماهيري، وتم تفريغها من الأحزاب السياسية وقوى النهوض الحقيقية، وتم تحويلها إلى مجاميع خائفة ومرعوبة تكتنز العداء والحقد المتوارث تجاه الحكام الجلادين، وهنا مكمن الضعف والهشاشة.
أما العامل الثالث فيعود إلى ضعف الاقتصاديات العربية التي استطاعت تحويل الشعوب إلى مجاميع استهلاكية غير قادرة على إنتاج غذائها وحاجاتها ولباسها ودوائها وسلاحها، وأصبحت مجتمعات غارقة بالديون، وتعاني من مرض الاعتمادية على المجتمعات الأخرى التي تحتكر المال والانتاج والغذاء والدواء، وقد انعكس ذلك على معنويات الشعوب والمجتمعات العربية بإجمال وشرائح الشباب على وجه الخصوص، الذين باتوا يشعرون بالتيه والضياع والشعور بالاحباط والخيبة وفقدان الوزن.
العامل الرابع فيعود على طبيعة التعليم في العالم العربي، الذي أسهم في بناء العقل العربي الجمعي العاجز؛ عبر التلقين والتعليم البنكي، مما أفقده القدرة على امتلاك المنهج العلمي في التفكير والنقد، و جعل الشباب فريسة لكل من يملك التعبئة والتوجيه، ولذلك فإن أعداداً كبيرة من الشباب وقعوا في براثن العنف والتطرف، ووقعوا في شبكات المنظمات المتطرفة وحبائلها لأنهم غير محصنين، ولا يملكون الشخصية المستقلة والعقل النقدي القادر على الحوار والقادر على المواجهة الفكرية.
وهناك عامل آخر لا يقل عن العوامل السابقة من حيث التأثير والأهمية يتمثل بغياب المشروع العربي الكبير القادر على جمع الدول العربية عبر قوة عربية منسقة وحشدها في مواجهة المشاريع العابرة للحدود، مما جعل القوى الإقليمية المحيطة التي استطاعت إنجاز مشاريعها الخاصة بها مثل «إسرائيل» و «إيران» و»تركيا»، أن تطمع في الأقطار العربية المجاورة، وأن تجعل منها ساحة لتنفيذ مشاريعها ومخططاتها وبرامجها.
ولذلك ما ينبغي علينا أن نعلمه يقيناً أن المنظمات المتطرفة العديدة والكثيرة لها أساتذة ومعلمين، فهي ليست شيئاً واحداً، حيث أن كل منها له خيوط اتصالات واضحة ممن استطاع تمويلها وتسليحها وتدريبها، وتوفير جوازات السفر وتأمين خطوط النقل والإمداد بالخبرة وأصحاب الاختصاص، وأصبحت كل قوة قادرة على صناعة منظمة خاصة بها تنفذ برنامجها، وكلهم يجدون ضالتهم بشبابنا الضائع حيث أن كثيراً منهم يظن أنه يمارس الجهاد المقدس.
الدستور