يعود تاريخ إنشاء قلعة الكرك إلى عصر المؤابيين نحو عام 860 ق م، وقد استخدمها الأنباط بدليل وجود تماثيل نبطية منقوشة في الأساسات الأولى بالقلعة، وظلت في العصر الروماني، ومن ثمَّ البيزنطي درعًا واقيًا للأردن.
وفي الفتوحات الإسلامية طرقتها جيوش المسلمين بقيادة أبي عبيدة بن الجراح فاستسلمت له، وظلَّت قلعة الكرك تؤدي دورها الدفاعي في العصر الإسلامي؛ لأن المسلمين اهتموا بالقلاع القديمة، وعملوا على تقويتها والإضافة إليها بالزيادة والبنيان.
لعبت قلعة الكرك أيضا دوراً مُهمًّا في العصر الصليبي بالتحكُّم بطرق المواصلات في إقليم الأردن بين الشام من جهة والحجاز ومصر من جهة أخرى، إذ كثيراً ما تعرَّضت حاميتها للقوافل التجارية، وقد وصفها ابن فضل الله العمري في كتابه بأنَّها كانت كالهامة بالنسبة إلى بلاد الحجاز.
وقد كانت الهجمات المُتكرِّرة سبباً من الأسباب التي دفعت صلاح الدين الأيوبي إلى جمع جيوشه والسَّير نحو الشام لقتال الصليبيِّين، وبعد اندثار الدولة الأيوبية آلت سُلطة قلعة الكرك إلى سلاطين المماليك، الذين قاموا بتطَويرها.
خلاصة القول: كانت قلعة الكرك في الماضي حامية للأردن والأردنيين وطرق تجارتهم، أيا كانت الجهة التي كانت تحكم منطقة الأردن.
أما في هذا الزمن وتحديدا في عملية الكرك الأخيرة، فقد اغتصبت القلعة من قبل فئة من الإرهابيين ممن يسمون بأبناء الوطن، فجعلوا من القلعة بؤرة لاحتجاز رهائن من أبناء جلدتهم، وإطلاق النار منها على رجال أمنهم فقتلوا من قتلوا، وجرحوا من جرحوا!
إنها لمفارقة عجيبة من مفارقات زماننا هذا أن تُحوّل هذه الفئة الضالة التاريخ، فتجعل القلعة الحامية للأردن وأبنائه في مراحل مختلفة من التاريخ إلى حصن يتحصن فيه الخارجون على القانون؛ ليقتلوا أبناء الوطن وحماته... يقتلوا الإنسان والأمن، ومصدر دخل مهم للأردن ألا وهو السياحة.
فمن هم؟ ومن خلفهم، ومن يخطط لهم؟ وما موقف القيادات البرلمانية والعشائرية التي توسطت لإطلاق سراحهم من السجن مثلما تذكر الأخبار؟ ومن يزودهم بالمال والسلاح؟
وما مدى مراقبة أصحاب السوابق الذين بات بعضهم يشكلون مجموعات إرهابية بعد خروجهم من السجن، وما هي آلية حصولهم على السلاح؟
وما مدى تدريب الكوادر الأمنية على مقولة الحرب خدعة، وضرورة مراعاة عنصر المباغتة التي رأيناها في العمليات الإرهابية التي حدثت في هذا العام في الأردن لاسيما أن هذه الخلايا تستهدف المراكز الأمنية والدوريات الخارجية على وجه التحديد، وما مدى جاهزية المراكز الأمنية في كافة مناطق المملكة، وامتلاكها للعدة والعتاد الكافيين، ومدى يقظة المواطنين لكل ما يدور حولهم، وضرورة التزامهم بسلوك لا يعيق عمل رجال الأمن.
أسئلة نأمل أن يصل التحقيق إلى معرفة أجوبتها، ومن ثم وضع التوصيات المناسبة لمنع غيرها من العمليات الإرهابية التي باتت تقض مضاجع الناس.
رحم الله شهداءنا وأسكنهم الفسيح من جنانه، وألهم ذويهم الصبر، وحمى الأردن من كل شر.