المضخة والمصفاة في خطاب الأزمة
عمر كلاب
22-12-2016 01:05 AM
لم يدخل رجالات الدولة الأردنية في معمان أزمة حقيقية منذ سبعينيات القرن الماضي، وبالتالي لا يمكن قياس أداء جيل الدولة الحديث برجالات الزمن السابق وخطابهم السياسي، بحكم انهم – رجالات الدولة السابقون – عاشوا في ظل ازمات متلاصقة رفعت وتيرة خطابهم ومنحتهم الصلابة السياسية التي انجت الدولة من رعشات اللسان ولجلجته في الازمات، فنقلوا صلابتهم الى الشارع الشعبي الذي ظلّ مسكونا على الدوام بهذا الخطاب المتماسك للدولة على لسان رجالاتها، ناهيك عن بناءات ذاتية حزبية وسياسية لرجالات الزمن السابق كانت تمنحهم السند في انتقاء المفردات اللازمة لرفع المعنوية وشدشدة العزيمة وقراءة اللحظة بدقة وحصافة وقد اختصر السياسي العتيق عدنان ابو عودة – اطال الله عمره ومتعه بالصحة – المسافات حين قال ذات لقاء صحفي : كنت شاعر القبيلة في تلك الحقبة، وهذا توصيف دقيق للحالة حين انتصرت القبيلة الوطنية والاجتماعية على القبائل السياسية والقبائل المسلحة المناوئة للدولة .
هذا على صعيد البناء الذاتي لرجالات الدولة، اما على صعيد البناء الموضوعي فكانت الصورة مختلفة تماما، حيث تواجدت في تلك الفترة حالة من التناغم والتناسق والادوار المتبادلة والمشتركة بحكم الازمات المتلاحقة والمتلاصقة، فكانت مضخة المعلومات متصلة بفلتر السياسي والاعلامي ولم تكن المضخة هي الفلتر او منفصلة عنه، فذلك غير جائز في الاساس والمنهج، لان مهام المضخة تختلف عن مهام الفلتر، ولعل هذا الاختلال المنهجي هو الذي افقدنا صدقية الخطاب الرسمي بعد ان بات الفلتر هو المضخة او اصبح الفلتر هو المضخة دون فواصل معرفية ومنهجية، ولأننا اليوم نعيش ازمة عاصفة مشغولة بأيادٍ حاقدة وعمياء، يجب اعادة الاعتبار لنظرية المضخة والفلتر وتطويرها ضمن سياق الاعلام الجديد ونظرية المواطن الصحفي واعلاء قيمة اعلام الدولة الايديولوجي، فنحن دولة رسالة وعلينا بناء اعلام الدولة على هذا الاساس فنحن اقرب الى منهج الاعلام الشمولي وليس الى مفهوم الاعلام الغربي الذي يصدّق الصورة مهما كانت مضللة ومشغولة في مختبرات اجهزة صناعة الرأي العام او على جهاز فتوشوب موصول بتلك الاجهزة واذنابها او بأجهزة وتيارات تصنع الصورة الزائفة والضلالية .
نحتاج اليوم وكل يوم الى اعادة الاعبتار لخطاب الدولة وصدقيته ومنحه التماسك اللازم عبر نظرية الفصل والوصل بين المضخة والفلتر وتحديد الادوار وترسيمها، بعد ان استهدفت آلات الارهاب العمياء “ سِتر الدولة “ – مع الاعتذار للزميل محمد حسن التل على التصرف في مصطلحه – فالاجهزة الامنية وقواتنا المسلحة والدرك والامن العام هم سِتر الدولة، وترك السياسي الحديث والاعلامي الجديد يتحرك في فضاء مُلتبس وبيئة جديدة عليه، سيوقعنا في شرَك الخطأ غير المسموح في هذه اللحظة الفارقة حصرا، فتماسكنا ووحدتنا واصطفافنا على اختلاف تلاويننا السياسية خلف سِتر الدولة هو طوق النجاة الوحيد، ليس لاننا نثق بهؤلاء الرجال الذين صانوا سِتر الدولة، بل انهم اثبتوا بأسبقيتهم في الشهادة التي هي اعلى مراتب الثقة انهم يستحقون التراص خلفهم دون تنظير ممجوج او انتقادات خالية من الدسم الوطني .
في لحظات العاصفة يصبح التلاوم اقرب الى الخيانة، ويكون النقد عامل ارهاص وتعطيل وتثبيط للهمم، وهذه الترهات تقع في مرتبة الخيانة ايضا، فلكل مقام مقال، وليس كل ما يُعرف يقال ولا كل ما يُقال ينشر وليس كل ما يُنشر حان وقته وحضر اهله، كما قال علي بن ابي طالب كرّم الله وجهه، فلنمسك على جمر الوطن الآن وبعد ان يستريح الشهداء في مثاويهم ونأخذ ثأرهم، يكون لكل حادث حديث، حمى الله الوطن والدولة وسِترها والنصر لنا بعون الله وهمة عبد الله .
الدستور