هذه هي فرصتنا لبناء هويّة وطنيّة جامعة
د.علي النحلة الحياصات
21-12-2016 07:55 PM
لم تكن المرة الاولى التي تجتمع فيها شرائح المجتمع الاردني من كافة منابته واصولة , غنية وفقيره , مؤيدي سياسات النظام والحكومات المتعاقبة ومعارضيها , على ادانة ونبذ العمل الارهابي في الكرك خلال الايام الماضية . فمنذ تفجيرات فنادق عمان عام 2005 مرورا بكافة الهجمات الارهابية داخل الاردن وحتى خارج اراضيه (حرق وأعدام الشهيد الكسابية) , اظهر الشعب الاردني بكافة تلاوينه ومكوناته الاجتماعية موقفا واضحا وصارما في الحفاظ على سلامة الاردن وسلامة أمنه الداخلي.
وعلى الرغم مما تخلل الاحداث من نزعات مناطقية، تمثلت في الافتخار في العشيرة والقبيلة والمحافظة، الا ان العقل الجمعي الاردني كان متوحدا بالكامل في مواجهة ما حصل في الكرك.
هذا وتُعّرف الهويّة الوطنية انها كل شيئ مُشترك بين افراد مجموعة محددة، او شريحة اجتماعية تساهم في بناء محيط عام لدولة ما , ويتم التعامل مع اولئك الافراد وفقا للهوية الخاصة بهم من قبل الاخرين.
اما الهوية الفرعية فتٌعّرف هنا وفي مفهوم كاتب هذه السطور تلك الهويات التي يتمحور افرادها حول مكونهم القبلي او العشائري او المناطقي , وليس تلك التي تُعرف بالمفهوم العلمي الاجتماعي على اسس العرق والقومية (مثل الشركس والشيشيان والدروز والارمن وغيرهم في حالتنا الاردنية).
وعلى هذا الاساس فقد برزت الهوية الوطنية الاردنية ككيان اجتماعي وسياسي (شكلي) مع نشوء الدولة الاردنية عام 1921, الا ان المجتمع الاردني ما زال مرتبطا ارتباطا كليا بهوياته الفرعية كالقبيلة والعشيرة والاقليمية وحتى الطائفية كما اسلفت سابقا. بحيث لم تستطع الدولة الاردنية على مدى تاريخها من تذويب هذه الهويات وجمعها في هوية ثقافية وطنية جامعة . لا بل على العكس تماما ققد قامت الحكومات المتعاقبة بترسيخ هذه الهويات الفرعية من خلال السياسات التي ما زلت متبعة في المحاصاصات المناطقية والعشائرية والطائفية , فيما يخص على الاقل المناصب الرسمية في الدولة.
وهذا ما بدى يظهر جليا في العقدين الماضيين على شكل صراعات وصدامات بين طلبة الجامعات الاردنية كانت تتغذا جميعها على صراع الهويات الفرعية . لا بل اضيف اكثر , ان الهويات الفرعية اصبحت تتظاهر وتناصر ابنائها ممن وجهت لهم تهم فساد من قبل القضاء في السنوات الاخيرة , الى ان وصل الامر ان تتجمع بعض القبائل والعشائر والمناطق من اجل المطالبة بوضع وزير او امين عام وزارة او حتى رئيس جامعة من هذه الهوية الفرعية او تلك .
انها لفرصة حقيقية لنا جميعا (رسمين وشعبيين) ان نستغل الموقف الموحد الذي اظهره الاردنيون في مواجهة عصابات التطرف في استهداف الارض والانسان الاردني , من اجل بناء ثقافة وطنية جامعة , تؤمن بالاردن ارضا وشعبا وكيانا سياسيا جامعا لكافة مكوناته الاجتماعية .
الا ان ذلك يتطلب من العقل الاستراتيجي للدولة ان يجعل من الاردن مجتمع تنافسي يسوده العدالة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون , وهذا كله بالطبع يغتزل مصطلح الدولة المدنية .