دعونا نقر أولا أن اعتناق التطرف ليس حرية فكرية يسمح لصاحبها أن يتجول بها بين الناس وينثرها في جنبات المجتمع.
الإلتفاتة الذكية للتربوي الدكتور ذوقان عبيدات هي البداية , بأن «من قتل الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه قبل 1400 سنة، قتله بنفس الدافع الذي قتل فيه ناهض حتر، و قاتل كليهما قتلهما باسم الدين، وهما أبعد عن الدين».
الذي يقتل باسم الدين متشبث بقناعته وهو يعتقد أنه الصواب لذلك فإنه يعيد الكرة مرة وثانية ومئة , فهذا إيمان فاسد لا يتغير ولا يتبدل بالعقوبة ولا بالإرشاد , وإن كان عدد قليل من مرتكبي الجرائم التقليدية يكررون جرائمهم ويعودون الى السجون , فهذا لا ينطبق على مجرمي التطرف الذين يعتبرون السجن إمتحانا يجب أن يستغل في تقوية العقيدة وتأهيل النفس لواجب أعظم , وهو ما يقتضي تغيير الخطط الأمنية بتشديد الرقابة والحصار لما بعد فترة السجن.
أمس احتفلت مواقع مقربة من التيارات الإسلامية المتطرفة ومن تدعي أنها معتدلة بحادثة اغتيال السفير الروسي في تركيا , وهو احتفال ضمني بأحداث الكرك وكان صارخا وواضحا عندما تغنى بحادثة الإغتيال وبحادثة الدهس في برلين وقد كانت هي ذات الأصوات التي تضامنت مع قاتل ناهض حتر.
لا يخفي المتطرفون وجوههم فهم يعتقدون بصواب اتجاهاتهم ورسالتهم ويصرخون بها ليل نهار باعتبارها الحق الذي يجب أن يسود في ظلمة وجهل المجتمع كما يعتقدون. وهنا أذكر بالدراسة التي أجراها الباحث الدكتور فارس بريزات بين الشباب في محافظات الزرقاء وإربد والطفيلة، والتي اظهرت أن نحو 5 % ممن تم الالتقاء بهم يعتبرون «أن تنظيم القاعدة وجبهة النصرة وتنظيم داعش تعبر عن وجهة نظرهم». فقد كان هؤلاء من الصراحة والوضوح في التعبير عن وجهة نظرهم بما يعتقدون دون خجل من الجرائم التي ارتكبت باسم ما يعتقدون.
من المهم أن لا نركن الى أن هذه القناعات لن تنعكس بحركة , فلا ضمان لأن من يجاهر بمثل هذه القناعات لن يضيره ترجمتها, بل إن حدود كل الجهود لنشر الوعي ونبذ التطرف فعلا وقولا وقناعة تصطدم بهذه الإحصائيات , فقد بات حاملو هذه المبادئ أكثر جرأة للبوح بها في سياق النقاش حول مدنية الدولة التي لم أفهم حتى اللحظة , كيف يمكن المزج بين روحها المدنية مع وجود محفزات على حمل هذه الأفكار , وأظننا بحاجة الى حسم الموقف والمضي قدما في قوننة مدنية الدولة روحا وفكرا وممارسة.
الإرهاب ليس أعمى بل له عيون وفي رأسه عقل يفكر ويدبر وفي قلبه إيمان لا يدخل اليه الشك.
الراي